في غياب أي إحصائيات موثوقة، كان دائماً عدد السكان السُنَّة في إيران موضع خلاف. تميل السلطات الفارسية الشيعية في إيران إلى تجاهل السكان السُنّة والمجموعات الإثنية غير الفارسية من البلوش والأذريين الأتراك والأكراد والأهواز العرب والتركمان والورش وغيرهم.
وبينما تدّعي الحكومة أن السُنة لا يمثلون سوى 10 إلى 15% من السكان، يعتقد الإيرانيون السُنة أنهم يمثلون ثلث السكان، ومع تصاعد القومية السُنيّة في إيران، ستشكل هذه القضية تحدِّياً للرئيس حسن روحاني في الانتخابات المقبلة.
في مارس (آذار) 2017، فاز روحاني بفترة ولاية ثانية وشكّل حكومته الثانية عشرة منذ الثورة، بدعم نحو 70% من المحافظات السُنيّة في بلوشستان وكردستان وجويستان (الصحراء التركمانية)، لكن لماذا حظيت حكومته بهذا الدعم السني؟ لأنها كانت المرة الأولى التي يَعدُ فيها رئيسٌ بتخصيص وزارتين من أصل 24 للسُنة الإيرانيين، إلا أنه وعلى غرار كثير من أسلافه، خلف وعده ولم يُعيّن أي وزير سُني في حكومته.
في عدة مناسبات التقى مولوي عبد الحميد، وهو خطيب جمعة في بلوشستان ومدافع نشيط عن السنة الإيرانيين، الرئيس روحاني، وفي مقابلة حديثة مع صحيفة “بهار” قال إن تعيين وزيرين كان سيكون كافياً. ومع ذلك، فقد تبدّدت آمال تعيين وزراء من أي عرقيات سنية، بما في ذلك البلوش والأكراد والتركمان بعد الانتخابات.
وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية، صوّت أكثر من 70% من سكان المحافظات السنية، بما في ذلك بلوشستان وكردستان وتركمانستان وأجزاء من جيلان لصالح روحاني، حيث كانوا يأملون تعيين وزيرين منهم كما وعد. ومع ذلك، لا يوجد وزراء سنة في حكومته.
يدعو عبد الحميد في خطبه لصلاة الجمعة وغيرها، الرئيس روحاني إلى منح السنة مناصب حكومية أخرى الأدنى مستوى. ووفقاً للقانون الدستوري، لا يُسمح للسنة بتقلد مناصب قيادية، لكن لا توجد معارضة قانونية فيما يتعلق بالمناصب الوزارية الأدنى مستوى، وقد أكد عبد الحميد أن روحاني أخبره أن الحكومة أرادت ضم السنة لكن الراديكاليين والمتطرفين الشيعة اعترضوا على الفكرة.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال حسن أميني، المدعي العام الشعبي في إقليم كردستان، إن الحكومة الإيرانية كان يُفترض أن تشمل أربعة وزراء سنة تمثيلاً لنسبة السكان في البلاد، وأضاف أنه هو الآخر قد يرضى بوزيرين اثنين.
وفي نفس الاتجاه قال ناصر دييغو، المحامي السني والصحافي والخبير في حقوق الإنسان، في تصريح له إن “اختيار وزيرين سنّييْن ونائب للرئيس سيكون عرضاً مثيراً. لكن مع وجود متطرفين شيعة في مناصب حكومية رفيعة، خصوصاً في السنوات الخمس الماضية، فقد جرى خفض مستوى توقعاتنا”.
رغم أن نظام روحاني لا يصدر إحصائيات، فإن نسبة السُنة في البلاد تقدر بثلث السكان، حيث إن المجموعات العرقية الكردية والبلوشية والتركمانية في بلوشستان وجوستان هي مجموعات سنية بالكامل. كما يُعتقد أن نصف العرب الأهوازيين في إيران، الذين يمثلون نسبة 10%، قد تحوّلوا من شيعة إلى سنة خلال العقود الأربعة الأخيرة من حكم الملالي، وعلاوة على هذا، فإن سكان الساحل الشرقي للخليج وسكان الجزر المتناثرة في الخليج وبعض أجزاء هرمزجان هم أيضاً من السُنة، وهذا أمر مهم لأن هذه المناطق تشكل دائرة حول المحافظات الفارسية الوسطى.
تاريخياً، كان معظم الإيرانيين من السُنة، باستثناء الشيعة العرب المشعشعين الذين عاشوا في جنوب غربي إيران، وكانوا مستقلين قبل أن تشكل الدولة الصفوية إيران الحديثة. وفي الواقع، في عام 1847، عندما وُقعت معاهدة أرضروم الأولى بوساطة بريطانية روسية وجرى ترسيم الحدود بين إيران والدولة العثمانية، كان إقليم كردستان العراق الحاضر ضمن حدود إيران آنذاك وكان تحت حكم القاجاريين الشيعة. أمّا إقليم عربستان (المعروف حالياً باسم خوزستان)، وعاصمته المحمرة “خرمشهر”، فكان تحت حكم البصرة وجرى تبادله بين العراق وإيران بموجب اتفاقية أرضروم الثانية، لذلك فقد أُتيح للسُنة الإيرانيين منذ فترة طويلة ممارسة الحكم الذاتي في مناطقهم.
كانت المرجعية الشيعية خلال فترة حكم الشاه رضا بهلوي تنأى بنفسها كثيراً عن السياسة، وخصوصاً تحت القيادة القوية لآية الله بروجردي المؤيد للشاه، والذي أفتى بعدم جواز تدخل الشيعة في السياسة أو الحكم، لكن بينما سُمح للتجار الشيعة بالعمل في البازار، جرى استبعاد السنة وتهميشهم وإقصاؤهم تماماً عن السلطة في إيران باعتبارهم خارجين عن الملة.
لقد كان آية الله العظمى السيد حسين البروجردي مرجعاً شيعياً بارزاً في إيران منذ عام 1947 تقريباً وحتى وفاته في عام 1961. ويعود نسبُه ثلاثين جيلاً إلى الحسن بن علي، حفيد النبي محمد. وكان البروجردي أول مرجع شيعي تطلّع أبعد من حدود إيران والعراق. كان يشعر بالارتياح من عيش غالبية الإيرانيين في فقر مدقع وتفشي الأمية بينهم بنسبة 70%، لكن الشّاه كان أكثر سعادة بتربعه على عرش أمةٍ خنوعة بوجود هذا الزعيم الديني.
في ظل هذه الظروف، كان السُنة يبتعدون عن السياسة، لذا فإن المشاركة السياسية لهم تُعد ظاهرة جديدة بل وثورية حقاً. وليس من المستغرب أنه مع قدوم الإنترنت والتلفزيون الفضائي حدثت هناك صحوةٌ كبيرة للهوية العرقية والدينية والوطنية، لذلك نجد السنة يكافحون من أجل المشاركة في الحكم وتقرير المصير داخل حدود إيران.
يحدث هذا بالتزامن مع تنامي القومية العرقية غير الفارسية في الآونة الأخيرة، حيث إنه وللمرة الأولى في التاريخ الحديث تشهد المنطقة مجموعات سياسية ودينية سنية معارِضة، تقف في تضامن مع الإيرانيين وتدخل معترك السياسة، لتصبح جزءاً من المعارضة وتضغط من أجل الإطاحة بالجمهورية الإسلامية.
وتُعتبر قناة “كلمة” الفضائية السنية إحدى مُحفزات هذا التغيير الثوري المنشود، وهي تبث من خارج إيران وتحظى بشعبية كبيرة بين الجمهور السني والإيراني ككل. وتَعتبر القناة نفسها “صوت السنة الإيرانيين،” وتبث الأخبار وبرامج دينية على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع عبر أكثر من ثلاثة أقمار صناعية ذات نطاق عالمي، ووفقاً لموقعها على الإنترنت، يجري تمويلها بالكامل من خلال تبرعات صغيرة من أهل السُنة خارج إيران، وخصوصاً من البلوش الخليجيين.
خلال احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 التي عمّت جميع أنحاء البلاد، ألغت قناة “كلمة” برامجها المقررة وأخذت تبث أخبار الحِراك على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وكانت تلك الأخبار ترِدُ لها عبر الهاتف، وفي الآونة الأخيرة، حاول الأمن الإيراني اغتيال مدير القناة عقيل هاشمي، الذي فرّ إلى أوروبا، وفقاً حديثه إلينا. وكان هاشمي يتيح وقتاً للبلوش والعرب على الشاشة لبث شكاواهم للإيرانيين.
في الختام، يمكن القول إن الإيرانيين السُنة الذين يتضامنون مع المجموعات الدينية والوطنية والإثنية الأخرى قد أصبحوا يشكّلون تحدّياً هائلاً للجمهورية الإسلامية.
*كاتب المقال: ناشط حقوقي متخصص في الشأن الإيراني