استأنف البرلمان التونسي اليوم الأربعاء جلسة جديدة للمصادقة على بعض المشاريع الاقتصادية، بعد أن فشل أمس في مواصلتها بسبب مشادات كلامية ورفض عدد من النواب تمرير مشروع قرار يتيح لقطر شراء جزء من رأسمال الخطوط الجوية التونسية بهدف تأمين الخدمات الجوية بين البلدين وما ورائهما، وهو ما اعتبرته بعض الكتل “خطر على الأمن القومي التونسي”.
واضطر رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو رئيس حركة النهضة الإسلامية في ذات الوقت، الثلاثاء إلى رفع الجلسة المخصصة للنظر في عدد من مشاريع القوانین الخاصة باتفاقيات سابقة، بسبب اتفاقية مثيرة للجدل بين قطر وتونس تتيح للدوحة الاستحواذ على الخطوط التونسية التي تعاني من أزمة مالية.
وبحسب موقع “ميدل إيست أونلاين”، كان من المنتظر أن يناقش النواب مشاريع قوانين سابقة أخرى من بينها اتفاقية بین تونس وإيطالیا حول برنامج تحسین البنیة التحتیة والخدمات المدرسیة، واتفاقية متعلقة بالنقل الدولي بين تونس وغینیا، واتفاق تعاون في مجال النقل البحري والموانئ بین تونس وجیبوتي وآخر مع السودان.
لكن تسريب اتفاقية المبرمة بين الحكومة التونسیة وحكومة قطر بشأن ا”لخدمات الجوية بین أقلیمیھما وما ورائھما”، تحت غطاء مشاريع القوانين الأخرى، فجرت جدلا كبيرا بين نواب حركة النهضة ورؤساء بعض الكتل الأخرى وصل حد تبادل الاتهامات ما دفع الغنوشي لرفع جلسة الثلاثاء.
وطالب نواب الحزب الدستوري الحر بقيادة رئيسته عبير موسي حركة النهضة التي تعد حليفا لقطر، توضيح موقفهم من تفويت جزء من رأسمال الخطوط الجوية التونسية لفائدة الخطوط القطرية، وفتح المجال الجوي أمام الدوحة تحت بنود “فضفاضة وغير واضحة” تعطي لقطر الفرصة للتحايل واستخدام الاتفاقية أمنيا لصالح أجنداتها في المنطقة.
واستنكرت كتلة الحزب الدستوري الحر “المناورة التي قامت بها النهضة عبر تجاهل المرور إلى التصويت على الاتفاقية مع قطر وطلبها رفع الجلسة للتشاور وتبريرها ذلك بعدم توفر النصاب “خوفا من سقوط الاتفاقية”.
وقال الحزب ”الدستوري الحر“ أمس الثلاثاء إنه تقدم بشكوى قضائية لدى المحكمة الإدارية التونسية، بحق رئيس البرلمان راشد الغنوشي بسبب ”تجاوزا للسلطة“ والقيام بمناورة لتمرير مشروع اتفاقية مع دولة قطر بشأن الخدمات الجوية.
وندد عدد كبير من النواب أغلبهم من المحامين ما قام به نواب النهضة الأسبوع الماضي عندما طالب رئيس الكتلة نورالدين البحيري مهلة بربع ساعة قبل التصويت على الاتفاقية المثيرة للجدل مع قطر للتشاور مع نواب آخرين حتى يضمن -وفق تعبير موسي- النصاب اللازم، ثم تم رفع الجلسة لإحالة القانون ذاته لمكتب المجلس لإعادة التصويت عليه في مناسبة ثانية.
وشنّ القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين اليساري (الوطد) في جلسة الثلاثاء هجوما على الغنوشي متهما نواب النهضة وفي مقدمتهم البحيري “بالكذب” و”التآمر بهدف تمرير مشروع الاتفاقية مع قطر”.
من جهتها قالت سامية عبو النائبة عن “التيار الديمقراطي” متوجهة إلى الغنوشي إن “البرلمان ليس مجلس شورى النهضة بل مجلس تشريعي ومركز سلطة القانون”، مطالبة رئيس البرلمان بتقديم توضيح قانوني لما جرى خلال جلسة الأسبوع الماضي.
واعتبر النواب ما قمت به كتلة الحزب الإسلامي “تحايلا على القانون ويتعارض مع النظام الداخلي للبرلمان، بما أنه تم اتخاذها دون الحصول على موافقة أغلبية الحاضرين.
وقالت عبير موسي “إن هذه الاتفاقية من شأنها أن تمس من سيادة البلاد سيما وأنها تنص على توفير بيانات معينة تحت غطائها”.
وكانت موسي قد حذرت في وقت سابق من “عدم اطلاع النواب على الفصول قبل التصويت عليها ويكتفون بتقرير اللجنة وبلمحة صغيرة ومبسطة على الموضوع وبالتالي يمكن لهم الإمضاء على أشياء لم يتطلعوا عليها فعلا”.
وعرضت بعض “البنود الخطيرة” التي وردت في الاتفاقية مع قطر، متسائلة عن الأهداف وراء تمسك بعض الأطراف “برمجت النظر في هذه الاتفاقية التي تعود لعامي 2017 و 2018 في وقت تتجه فيه الأنظار لموضوع معين (تشكيل الحكومة) لاستغلال عدم اهتمام الشعب وغفلة النواب لتمريرها”.
وقالت “إن فتح المجال الجوي التونسي أمام قطر يمكن أن يضر بالأمن القومي” ويفتح البلاد على مصرعيها أمام الدوحة نظرا لضعف مؤسسات الدولة واقتصادها.
وكشفت موسي عن “حذف بعض العبارات التي كانت واضحة في الاتفاقية السابقة تفرض من خلالها الدولة التونسية سيادتها واستبدالها بعبارات فضفاضة تسمح بالتأويل والالتفاف على محتوى الاتفاقية الجديدة”، معتبرة أن تلك التعديلات الممنهجة والمتعمدة تمثل “ألغاما مزروعة” تهدد أمن تونس القومي.
وأشارت إلى إن عدم مصادقة الحكومة السابقة على هذه الاتفاقية يؤكد خللا كبيرا في بنودها التي لا تخدم مصلحة تونس، لكنها ستعود بالنفع على قطر أساسا.
وحذرت رئيسة الحزب الدستوري الحر من خطر المصادقة على الاتفاقية باعتبارها “ذات صبغة سيادية ووطنية هامة” ستسمح لقطر بالدخول إلى تونس والتصرف بحرية واستغلال ضعف الدولة اقتصاديا، في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات خطيرة.
وتشير المادة 5 الخاصة بالأمن في الاتفاقية أنه “باستثناء المراقبة المتعلقة بأسباب أمنية لا يخضع المسافرون والأمتعة والبضائع (…) عند مغادرة المنطقة إلا لمراقبة بسيطة للمواد المخدرة أو بعض الحالات الخاصة”، وهي صغات غير واضحة تم اعتمادها في مسودة الاتفاقية الجديدة وأثارت مخاوف التونسيين باعتبار أن هذه النبود تسمح بالتحايل على القوانين لخدمة أجندات إقليمية معروفة في المنطقة.
وتسعى الاتفاقية التونسية القطرية، المبرمة منذ مارس/آذار 2019، إلى استبدال الاتفاق الثنائي المبرم بين البلدين بتاريخ 24 مايو/أيار 1984 بهدف “مواكبة التطوّرات التشريعيّة والتنظيمية التي يشهدها قطاع النقل الجوّي على المستوى الدولي”، في وقت تعاني فيه الناقلة التونسية أزمة مالية حادة.
وينص الاتفاق أيضا على منح كل طرف متعاقد الطرف المتعاقد الآخر “حقوقا تتعلق بالخدمات الجويّة المنتظمة والمتمثلة خاصّة في حق عبور إقليم الطرف الآخر دون الهبوط فيه وحق الهبوط بإقليم الطرف المتعاقد الآخر لأغراض غير تجاريّة”، إلى جانب “حقّ الهبوط بإقليم الطرف المتعاقد الآخر عند ممارسة الخدمات الجويّة الدوليّة المحددة بملحق الاتفاق وذلك بغرض أخذ و/أو إنزال حركة دوليّة للركاب و/أو البضائع و/أو البريد إضافة إلى حقوق أخرى” وذلك وفق شروط مبنية بالاتفاق.
وعبر نشطاء وسياسيون في تونس عن رفضهم التفويت في الخطوط التونسية، مطالبين الحكومة باعتماد خطة وطنية واضحة تساعد على إعادة هيكلتها والنهوض بها وليس التفويت فيها عبر اتفاقية “مشبوهة” تخدم مصالح قطر قبل مصالح التونسيين باعتبارها “رمزا وطنيا”.
يذكر أن كتلة النهضة حاولت الحشد لتمرير مشروع القانون عبر إقناع بعض الكتل الصغيرة في البرلمان المعروفة بولائها لها مثل “ائتلاف الكرامة” الذي عبر نوابه عن مساندتهم للاتفاقيات باعتبار أنها “تفتح أبواب وأسواق جديدة وتساهم في إنعاش الاقتصاد التونسي”
يذكر أن تونس ليست البلد الوحيد الذي تحذر من مثل هذه الاتفاقيات مع الدوحة التي سعت لتمكين خطوطها الجوية من الاستحواذ على ناقلات جوية عديدة تعاني من أزمات مالية في جنوب القارة الإفريقية تحديدا كينيا ورواندا وأوغندا.
وأمس الثلاثاء، تكبدت شركة الخطوط الجوية القطرية خسارة فادحة لاستثماراتها في شركة “إير إيطاليا” بعد عامين من استحواذها على 49 بالمئة منها بسبب “مشاكل مستديمة وهيكلية في السوق”، حسب ما أعلنت الشركة الإيطالية.
و”إير إيطاليا”، التي كانت تعرف في السابق باسم ميريديانا، هي ثاني أكبر شركة طيران في البلاد بعد “أليطاليا”. وفي ديسمبر 2017 سمحت للخطوط القطرية بالاستحواذ على نسبة 49 بالمئة من حصتها لمجابهة الصعوبات التي تعاني منها وتطويرها لكنها لم تنجح في ذلك.
ورغم أن “إير إيطاليا” قالت في بيانها الثلاثاء إن القرار اتُخذ “بالإجماع”، إلا أن الخطوط الجوية القطرية تنصلت من مسؤولية تعثر الناقلة الإيطالية قائلة في بيان منفصل إنها “ستكون مستعدة لدعم إعادة إطلاق ونمو إير إيطاليا”.”
وسبق للخطوط القطرية أن انتهكت اتفاقيات الأجواء المفتوحة بسبب دعم الدولة منذ عقود لشركات الطيران المملوكة لها، ما اضطر العام الماضي شركات الطيران الأميركية الاستنجاد بالرئيس دونالد ترامب للتدخل بسبب ما قالت أنها ممارسات “تنافسية غير عادلة” بفضل الدعم الحكومي .
وللالتفاف على هذه الاتفاقيات الدولية اتجهت الخطوط القطرية إلى شراء حصص ناقلات دول عديدة تعاني من مشاكل مالية للتحايل عن طريقها وهو ما يكبدها خسائر إضافية تنتفع منها قطر فقط، خصوصا أن خطوطها الجوية عانت في السنوات الأخيرة من أزمة مالية حادة بسبب مقاطعة جيرانها لها منذ 2017.
وفي يناير الماضي، كشفت مجلة “فوربس” الأميركية عن زيادة الخسائر في الخطوط الجوية القطرية وصلت قيمتها 640 مليون دولار بعد خصم الضرائب للسنة المنتهية في 31 مارس 2019، أي بخسارة أكبر بكثير في العام السابق حيث سجلت 69 مليون دولار.
وأكدت المجلة أن المصروفات التشغيلية للشركة بلغت 13.7 مليار دولار في العام حتى مارس 2019، بارتفاع 18 بالمئة من 11.6 مليار دولار في العام السابق و10.1 مليار دولار في العام السابق على ذلك.
وقالت المجلة الاقتصادية إن الخطوط القطرية فقدت طرقًا مربحة إلى مدن في بلدان المقاطعة والتي لم تعد قادرة على خدمتها.
ولتفادي تلك الخسائر أصبحت قطر تلجأ إلى ممارسات ومناورات للتحايل على الاتفاقيات والتعريفات التجارية المبرمة مع عدد من الدول أبرزها الولايات المتحدة، عبر شراء حصة ملكية في شركة أجنبية لا تخضع للاشتراطات التجارية.