أيام قليلة وتنطلق خطة تطوير التليفزيون المصري التي تهدف إلى إعادة البريق لشاشته، والذي بدأ تاريخه معروفا بالتليفزيون العربي، حيث كان أول تليفزيون بالمنطقة العربية.
وفي ذلك التوقيت كان التليفزيون قائما على نشر الثقافة والعلوم والفنون بين فئات المجتمع المصري والعربي معا، فكانت له الريادة، واستحق مبنى الإذاعة والتليفزيون أن يكون في صدارة الإعلام العربي، ولقب وزير الإعلام وقتها الدكتور عبد القادر حاتم بأبو الإعلام؛ نظرا لما قدمه من خبرات وإمكانيات هائلة للإعلام المصري في ذلك الوقت. ومن وقتها توالت على الإذاعة والتليفزيون المصري خبرات وقيادات إعلامية تركت بصماتها التي مازالت محفورة في أذهان المشاهدين والمستمعين لأجيال متعاقبة حتى اليوم.
فمن أجيال العمالقة كما ذكرنا سلفا، دكتور عبد القادر حاتم، وأحمد سعيد، وأحمد سمير، ومحمود سلطان، وماجد عبد الرازق، وفاروق شوشة، وعمر بطيشة، وسناء منصور، وسهير الإتربي، وسامية الإتربي، وعزة الإتربي، وفريال صالح، ونادية صالح، وهمت مصطفى، وسلوى حجازي، وصفاء حجازي، وهالة أبو علم، وزينب الحكيم، وزينب سويدان، وأميمة إبراهيم، ونوال الحضري، ودينا أبو الفتوح، ومسعد أبو ليلة، ونادر دياب، وعلي مبارك، وسوزان حسن، وأماني أبو خزيم، وشافكي المنيري، وغيرهم ممن لا تتسع الذاكرة لذكرهم حاليا.. كل الأسماء السابقة هي من أجيال العمالقة المؤسسين وأجيال الوسط والشباب أبناء التليفزيون المصري الحقيقيين الذين أثروا الشاشة والميكروفون خلال رحلتهم الإعلامية، ولكل منهم بصمة لا يمكن طمثها بمرور الزمن.
وعن خطة التطوير التي وضعها المطورون بشراء وقت الهواء على شاشة التليفزيون المصري ببرنامج بإسم «التاسعة مساء» ليكون برنامج «توك شو» وإلغاء النشرة الرئيسية «التاسعة مساء» وأن تكون النشرة مجرد فقرة في البرنامج، فكان الغضب الذي انتاب أبناء التليفزيون المصري من مذيعين ومخرجين ومنتجين وفنيين وكل من ينتمي لهذا الجهاز العريق، ولهم كل الحق في غيرتهم وشعورهم بالغبن، فلن يقوم التطوير إلا بأهله العالمين بأصول مهنته وخباياها.
ومازاد من الغضب الإعلان الترويجي للبرنامج لمقدميه الصحفي الشهير وائل الإبراشي، ومذيعة غير معروف إسمها، بادعائهما أنهما أبناء التليفزيون المصري، وهم غرباء كل الغربة عن هذا المبنى العريق الذي لا يعرف دهاليزه إلا من عاش فيه وعاشر جدرانه وأبوابه ونوافذه وهواه على مدى سنوات قضاها في هذا المبنى ربما أكثر مما قضاها في بيته بين أسرته وأولاده.
مؤكد، لسنا ضد التطوير، ولسنا ضد مشاركة عناصر خارجية من التليفزيون المصري سواء كانوا زملاء صحفيين أو إعلاميين في قنوات أخرى، ولكن أن يكون التطوير قائما في الأساس على أبناء التليفزيون المصري والذين مازالوا موجودين ويتمتعون بالخبرة الوفيرة واللياقة ورشاقة المهنة وتقديم محتوى إعلامي هادف.. وهل نسينا أن كل محطات التليفزيونات الخاصة قامت على سواعد وأبناء التليفزيون المصري؟
هل نسينا أن أنجح محطات التليفزيونات العربية قامت على أكتاف ومهارات أبناء التليفزيون المصري؟
نعم، لا ننكر أن التليفزيون المصري قد أصابه بعض الوهن في أعقاب توالي ظهور القنوات الفضائية الخاصة، وزاد الوهن بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، ولكن ظل هو الوحيد المحافظ على المحتوى الجاد وعلى تقاليد وأخلاقيات المجتمع المصري والعربي.
وبعد إعلان خطة التطوير، هل يحتاج التليفزيون المصري إلى هذا التطوير؟.. الإجابة نعم بالقطع، ولكن كيف يكون التطوير؟ ومن يكتبه ويصيغه؟ ومن يقوم به؟ ومن المسؤول عن التجربة ليكون تحت المسائلة؟
ما سبق أسئلة مشروعة من حق المتلقي وأبناء التليفزيون المصري توجيهها لصناع القرار وأصحاب الخطة الغير مفهومة.
في كل مشروع أو تشريع أو الإقدام على خطوة تهم جموع المواطنين تلجأ الحكومة إلى ما يعرف بالحوار المجتمعي ( وإن كانت آلياته غير مفهومة في مجتمعنا حتى الآن)، وهنا، هل تم حوار مجتمعي بين أهل التليفزيون المصري لعرض خطة التطوير ومناقشة الحذف أوالإضافة أوالتعديل لينتهي الرأي بالأغلبية أو بالإجماع على إلغاء نشرة التاسعة مساء في خطة التطوير الجديدة؟
هل تم عرض هذه الخطة مكتوبة على أهل الخبرة والاختصاص (أكاديميا ومهنيا) وتوضيح الرؤية والهدف والرسالة من التعديل المزعوم؟
إن الغضب الذي انتاب أبناء التليفزيون المصري من احتلال أماكنهم وشعورهم بأنهم غير أهل للتطوير لهو غضب مشروع وفي محله، وله أسبابه المهنية الوجيهة.
ولا أتصور أبدا أن تليفزيون الدولة يليق به أسلوب وائل الإبراشي المعهود من قيامه بتسخين الضيوف وتحفيزهم ضد بعضهم البعض لتحقيق نسبة مشاهدة عالية، علاوة على أن هذا النمط مله المشاهد ولم يعد ينطوي عليه في هذا الزمن.
أيضا، يتسائل أبناء التليفزيون المصري ومعهم المتلقي عن خبرات ومؤهلات من يقدمون التطوير، وما هي تجربتهم الناجحة في مكان سابق حتى يتمتعوا بهذه الثقة لتطوير تليفزيون الدولة؟!! إن وائل الإبراشي صحفي شهير، وتجربته بعد برنامجه «الحقيقة» كانت في برنامج جاهز وناجح مسبقا وحقق جماهيرية عريضة بفضل فريق إعداده مع مقدمته منى الشاذلي، فأكمل «الإبراشي» نجاحه على جثث الآخرين، وللأمانة نجح وائل الإبراشي في «العاشرة مساء»؛ فهو صحفي ناجح وله جولاته السابقة في مجلة «روزاليوسف».
ونفس الأمر فعله «الإبراشي» حين غادر قناة دريم وانتقل إلى قناة «أون» ليقدم برنامج «كل يوم» الذي كان يقدمه عمرو أديب. إذن «الإبراشي» نفسه ليس لديه فكرة خاصة به أو طور نفسه في قالب جديد او قدم تجربة خاصة به في عالم التقديم التليفزيوني من بعد برنامجه الأول «الحقيقة»، فقد اعتمد على تنفيذ التجارب الجاهزة دون مجهود يذكر.
ولنا في صحيفة «الأهرام» أعرق الصحف العربية والعالمية مثل كبير، فقد طورت الصحيفة نفسها أكثر من مرة، ولكن دون المساس بشخصيتها الفريدة، فقد حافظت الصحيفة على ثوابتها وتقاليدها الراسخة منذ نشأتها ولم تقترب من هذه الثوابت مما حافظ على شخصيتها.
في النهاية، فإن تليفزيون الدولة ليس هدفه الرئيس تحقيق أرباح، وإن كان مطلوبا، ولكن تليفزيون الدولة له أهدافا أبعد من ذلك بكثير وليس مجرد تطوير برنامج في قناة أو قناتين من شبكته المتنوعة، أو شراء وقت بهدف جلب حصيلة إعلانية تدر عائدا ماديا فحسب.
وإذا كان بالإمكان التمهل وإعادة التقييم حتى نصل إلى خطة تطوير طموحة يضعها الجميع من أهل البيت ولا مانع من مشاركة خارجية ولكن تكون الغلبة لأصحاب المكان، باعتبارهم أهل الخبرة والمعرفة.