في ظل المساعي المحمومة لمحاصرة مصر وتهديد أمنها القومي جنوبا، بفعل الإسراع في ملء خزان “سد النهضة” من الجانب الإثيوبي، وغربا حيث الحدود مع الشقيقة ليبيا بفعل المؤامرة التي يقودها الرئيس التركي ووكلائه من التنظيمات المسلحة في ليبيا.. في ظل هذه الأبواب التي يعملون على فتحها، وفي ظل حرب شرسة تقودها مصر على الإرهاب في حدودنا الشرقية (سيناء الحبيبة)، نرى أفرادا من بني جلدتنا (للأسف) شامتين فرحين مهللين للغازي العثماني الجديد، رافعين أكف ضراعتهم أن يوفقه الله في مهام غزوه وأن يصل إلينا بسلامة الله وأمنه، ليقيم حلم أجداده القديم ولينصبوه أميرا لدولة خلافتهم المزعومة، والتي لا وجود لها (فقها أو قانونا أو حتى عرفا)؛ حتى يسيروا ذُلا وأمرا في موكب السلطان.
وكنت أظن أن هؤلاء “المعتوهين” خونة الوطن أمثال محمد ناصر وحمزة زوبع وهشام عبد الله ومعتز مطر وصابر مشهور وغيرهم ممن هجروا وطنهم ليستقروا في “أوطان الخسة والخيانة” هم فقط من يقدموا جرعة الخيانة خارج الوطن على محطات التليفزيون الفضائية في كل من تركيا وقطر، إلا أنني فوجئت من هول الصدمة أن لهم أتباعا ومؤيدين داخل مصر من بني جلدتنا (للأسف) يصرخون ويطلقون العويل، ليل نهار، على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مناقشاتهم مع أصدقائهم معلنين تأييدهم لمخططات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ومعه ربائبه، رافضين رفضا تاما أي تحرك مصري لحماية أمنها وحدودها من خطر مؤكد من مرتزقة إردوغان حال تغلغلهم في الأراضي الليبية ووصولهم إلى حدودنا الغربية التي تمر منها الأسلحة والعناصر الإرهابية وهو ما حدث في أعقاب أحداث 25 يناير 2011.
ويدهشك في الأمر أن هذه العقول لديها حجة ومنطق أن مصر ليس لها الحق أن تتطرق إلى التغلغل التركي في الدولة الليبية واستباحة أرضها ومياهها وأجوائها، معللين بأنه أمر ليبي ولا شأن لمصر به، ويجب على مصر ألا تتدخل في الشأن الليبي!!
في الأوقات الطبيعية وعند استقرار الدولة في كافة مناحيها عارض كما تشاء، اختلف مع النظام ومواقفه، ارفض سياساته في إطار المعارضة البناءة، لا بأس، طالما تعبر عن رأيك بأدب ومقصد الإصلاح. أما في وقت الأزمات، فلا مجال لمعارضة أو رفض، كلنا مع الدولة وفي ظهر قيادتها، خير سند له، فالجميع تحت مظلة الوطن، موقفنا واحد، لحين انتهاء الأزمة.
إن هؤلاء في حاجة إلى الكشف على عقولهم، فلا يستوعب عقلا سليما أن تنسلخ عنهم إنسانيتهم ووطنيتهم إلى حد الافتقاد، فقد افتقدوا بحق وطنيتهم ومصريتهم، ولا ولاء لهم إلا لمن يدفع لهم لقمتهم المغمسة بعار الخيانة.
للأسف الشديد، إن هؤلاء الذين يتفوهون بادعائهم اتباع صحيح الدين، وأنهم القائمين عليه في الأرض، والأوصياء علينا بموجب دعوات زائفة، لم يتعلموا “الوطنية” التي فرضها الله عز وجل على عباده (كل في مكانه وكل في أرضه وكل في وطنه)، وإلا ما فُرِضَ على الإنسان الدفاع عن أرضه التي تمثل وطنه، وكذلك بيته وأرضه التي يزرعها، فقد أصلّ الدين فينا مفهوم “الوطنية” وزرعه في غريزتنا وفطرتنا.
وفي حب الوطن لنا مثل وقدوة في رسولنا صلى الله عليه وسلم، حين هجرته من مكة إلى المدينة، فماذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم؟.. قال: “والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك”.
فقد كان قلبه صلوات الله وسلامه عليه متعلقا بمكة التي شهدت ميلاده ونشأته ومهد رسالته، فكانت له الوطن، بيتا وأرضا وعِرضا، وحين اضطر للهجرة منها لمواصة نشر دعوته قال هذا الحديث المشهور؛ ليعلمنا درسا يقينا غارزا فينا واحدة من أسمى القيم في حب الوطن والوطنية.
بقى أن نذكر هؤلاء “الموتورين” أن مصر دولة على مر تاريخها داعية للسلام، ولم تدخل في حرب إلا قد فرضها العدو عليها، وأيضا من أجل السلام.
وأن مبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية التي صدرت في السادس من يونيو الجاري لم تكن إلا مبادرة سلام دعت إلى وقف إطلاق النار، والعودة إلى التسوية السياسية، فلم تتطرق المبادرة من قريب أو بعيد إلى إجراءات عسكرية.
وقد نزعت المبادرة النقاب عن وجه “إردوغان” وكشفت حقيقة مطامعه في النفط الليبي ومحاولته السيطرة على الغاز في منطقة “شرق المتوسط” في تهديد واضح ومباشر لكل من مصر وقبرص واليونان.