الأمن المعرفى ركيزة للأمن القومى

آخر تحديث : الجمعة 17 يوليو 2020 - 9:23 مساءً
أ.د/ فاطمة الزهراء سالم محمود
أ.د/ فاطمة الزهراء سالم محمود

يصبح للأمم مستقبل مشرق وآمن بالمعرفة.. أليست العبارة بحاجة إلى تأمل وتدبر؟ إن الناظر لما يحدث فى عالمنا اليوم، وما أصاب العالم من أضرار بالغة بفضل الأوبئة، والحروب، والمشكلات الأزلية السياسية منها، والاجتماعية، والثقافية ؛يجد أن الطريق المُشرق ،والباعث للأمل بل وطوق النجاة الحقيقى هو سبيل المعرفة . والمعرفة أعلى ،وأشمل من العلم ، فالمعرفة إدراك ، ووعى ، وبصيرة ، واستنتاج ، وحكم ، وحكمة ، وإصدار قرار، أما العلم جزء من فيض المعرفة التى بدورها قد تصنف إما علمية أو أخلاقية أو دينية أو سياسية.

ومن ثم ما من أمة نجت من كوارث مؤكدة طبيعية أو بشرية إلا بالمعرفة . وإذا كان حديثنا دوماً يشتمل على مقولة أن المعرفة قوة ، فإن الفكر المعاصر أثبت أن معرفتك بالحقائق شئ غير كافِ؛ بل إن تطبيق المعرفة أضحى القوة الحقيقية فى عالم لا غلبة إلا لذوى المعرفة ،والفكر الثاقب ،والحكمة فى التعامل مع أحلك الظروف.

بناء على ما سبق فإنه لا يمكن تحقيق الأمن القومى لأى مجتمع على الصعيد السياسى المحلى ،والدولى إلا من خلال الأمن المعرفى ، وكما قلنا من قبل المعرفة أعم، وأشمل من العلم أو التخصص الدقيق أو الحصول على الشهادات ، فالمعرفة وقاية من الوقوع فى أخطاء فادحة.

كما أن قيادة أمم ،وشعوب عن جهل ،وعدم دراية بأصول المعرفة السياسية ، ومهارات القيادة الناجحة الساعية إلى تحقيق الأهداف التنموية فى إطار سلمى ،ومستقر ،ويعمق التعاون الدولى يكلف الدول الكثير، ويولد حروب، ودمار لا نهاية له.

وعلى النقيض ليس بإمكان أمة تحقيق ما تريد فى إطار سياسة غير رشيدة ، وغير ملمة بعواقب الأمور ، وليس لديها قدرة على التنبؤ ،وتوقع المخاطر، وإدارتها ، والتحصن برصيد معرفى قوى بمكنها من التحسب للنتائج الحاصلة من كل تصرف سواء كانت نتائج مثمرة ،وترمى إلى تحقيق الأهداف التنموية أو نتائج مدمرة تقضى على المجتمع بأكمله. ومن ثم فالمعرفة أساس الاستقرار، والأمن المجتمعى، والقومى ، لهذا ما يدهشنا حقاً هو مغامرة قائد بشعبه إلى الهلاك نتيجة قلة المعرفة أو مشاورة أهل الحكمة فيما ينوى فعله أو ارتكابه من جرائم فى حق شعبه.

وإذا كانت أدوات الفلاسفة المحدثين ،والمعاصرين هى العقل الواعى ، والعقل المُدبر ، فإننا بأمس الحاجة إلى العقل الرشيد.

وما حققته مساعى الدولة المصرية فى كبرى ملفاتها على الساحة السياسية اليوم ،وهما ملف “سد النهضة” ، وملف” الأمن المصرى- الليبى” ، يحفزنا إلى القولبما تتمع به الحكومة المصرية من نضج فكرى ، وعقلى ، وحكمة ، وقدرة على التنبؤ بمستقبل الأمن القومى العربى وما سيحدث من تداعيات سلبية نتاج التراخى فى هذين الملفين تحديداً على الصعيدين المحلى ،والدولى.

وعندما تدشن الدولة المصرية حواراً دولياً فى ملف سد النهضة ، وتلجأ إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، وسرعة تطبيق القانون الدولى الإنسانى للزود عن حقها فى المياه ، فقد أعطت درساً أخلاقياً للعالم كله ، وهو أن المجتمع الإنسانى له مجلس رشيد ،وحكيم يفصل فى المنازعات ،ويتخذ قرارات موضوعية فى قضايا مصيرية تمس الأمن القومى للدول . وليس تصعيد المسألة دولياً من أجل التباهى أو محاولة إثارة المشكلات داخل القارة الإفريقية ، بل على العكس عراقة الدولة المصرية ،وتحالفاتها المتميزة مع دول أوربية، وآسيوية،وأفريقية تضمن لها التحرك بحرية فى طلب المشورة ، والنصح من الدول العظمى ،وكذلك الجهة المنوط بها حماية الأمن ،والاستقرار فى العالم أجمع.

وبالمثل وقوف مصر موقف الرجل الرشيد فى الملف الليبى ، وسلك كافة سبل الحوار ، والمفاوضات ، من أجل التهديد التركى للأمن القومى المصرى-الليبى ، ولجوء مصر إلى حلفاؤها فى كافة أنحاء العالم بحكم شراكتها الدولية بمشروعات اقتصادية ،وعلمية ،وصناعية ،وسياسية كبرى ، وتبادل علماء ،وخبرات بين كافة دول العالم ، يجعل لمصر رصيداً قوياً لا يمكن الاستهانة به قط.

هذه الأمثلة دليل قوى على تطورات الأمن المعرفى المصرى ، الذى بدوره يكفل مزيد من التعامل الذكى ، والخبروى مع القضايا المصيرية فى ظل تحالف قوى بين مصر ،وحلفاؤها فى كافة العالم كله.

من أجل هذا ولكى يتم تحقيق الأمن القومى ليس لنا من مسلك غير المعرفة.

ويمكن الإرتقاء إلى بعض المُدركات عن الأمن المعرفى :

المُدرك الأول: الثقة فى قدرة كل إنسان على تعلم المعرفة بكافة أنماطها. المُدرك الثانى: الشهادات العلمية ليست دليلاً على امتلاك المعرفة. المُدرك الثالث: تطبيق المعرفة هو القوة الحقيقية ،وليس امتلاكها فحسب. المُدرك الرابع: التمكن من التكنولوجيا أحد أدوات المعرفة ،وليس كلها. المُدرك الخامس: الأمن القومى يتوقف على الأمن المعرفى. المٌدرك السادس: الحكمة أعلى مراتب المعرفة لا يؤتيها إلا من بلغ مسلك المعرفة الحقيقية. المُدرك السابع: العقل الرشيد أساس بناء المجتمعات الرشيدة. المُدرك الثامن: تحقيق أهداف التنمية رهن بالمكون المعرفى داخل المجتمعات. المُدرك التاسع: تؤثر الدول على بعضها البعض إيجاباً ،وسلباً فى عمليات توظيف المعرفة. المُدرك العاشر: العقول الحكيمة تهدى الدول إلى بناء الأمن ،والسلام ،والاستقرار.

وفى الختام فإن حاجة الدول،والشعوب إلى المعرفة باتت أمراً ضرورياً من أجل التصدى للعديد من الملفات الطارئة ، والمتجددة على مجتمعاتنا العربية ،والدولية على السواء.

* كاتبة المقال: أستاذة أصول التربية في كلية التربية بجامعة عين شمس.

رابط مختصر
2020-07-17
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر