بات الاتحاد الأوروبي على قناعة تامة بأن التعويل على الدبلوماسية والوساطات لحسم الخلاف التركي – اليوناني – القبرصي بشأن التنقيب عن الغاز في المتوسط أعجز من أن يحقق نتائج إيجابية في ظل التصعيد المتواصل، ما حدا بالتكتل إلى التهديد بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على أنقرة، وهو نهج يرى مراقبون أنه قد يفرض واقعا جديدا.
برلين – حذّر مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تركيا الجمعة من احتمال فرض عقوبات جديدة عليها، تشمل تدابير اقتصادية واسعة النطاق، ما لم يتم تحقيق تقدم باتّجاه خفض منسوب التوتر مع اليونان وقبرص في شرق المتوسط، فيما قوبلت التهديدات الأوروبية بتصعيد تركي.
وقال بوريل إن وزراء خارجية التكتل المجتمعين في برلين “اتفقوا على أنه في غياب التقدم من جانب تركيا، قد نضع قائمة بمزيد من الإجراءات” يتوقع مناقشتها خلال قمة في بروكسل من المقرر عقدها في 24 سبتمبر.
وأضاف أن التكتل يرغب بمنح “الحوار فرصة جدية” لكنه ثابت في دعمه للبلدين العضوين، اليونان وقبرص، في الأزمة، ما عزز المخاوف من إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية.
وأعاد نزاع بشأن الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الغاز إشعال الخصومة التاريخية بين أثينا وأنقرة، حيث أجرى كل من البلدين تدريبات عسكرية بحرية منفصلة.
ووافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين يعقدون اجتماعا في برلين على طلب قبرص فرض عقوبات على مزيد من الأشخاص على خلفية دورهم في عمليات التنقيب التي تجريها تركيا في مساحات مائية تطالب بها الجزيرة.
ورحّبت أثينا بتطورات الجمعة إذ قال وزير خارجيتها نيكوس دندياس لوسائل إعلام يونانية “أعتقد أن الجانب اليوناني حصل على ما بإمكانه الحصول عليه، عقوبات محتملة في حال لم تختر تركيا خفض التصعيد ولم تعد إلى الحوار”.
وأضاف “آمل أن تعود تركيا إلى صوابها وتتوقف عن الاستفزازات وعن الأعمال التعسفية وانتهاك القانون الدولي”.
لكن أنقرة ردت بغضب قائلة إن دعم الاتحاد الأوروبي “غير المشروط” لما وصفتها بمواقف اليونان وقبرص “المبالغ فيها” تتجاهل مطالب أنقرة المشروعة وتشكل بحد ذاتها مصدر توتر.
وقال المتحدث باسم وزارة خارجيتها حامي أقصوري في بيان “في وقت تشدد تركيا كل مرة على الحوار والدبلوماسية، لن يساعد لجوء الاتحاد الأوروبي إلى لغة العقوبات في حل المشكلات القائمة بل سيزيد من عزيمة بلدنا”.
وتابع أقصوري “إذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في إيجاد حل في شرق المتوسط فعليه التحرّك دون انحياز وأن يكون وسيطا صادقا”.
وتتهم اليونان تركيا بالتنقيب عن احتياطيات الغاز الطبيعي قبالة الجزر اليونانية بشكل غير قانوني. في المقابل، ترى الحكومة التركية أن المياه التي يتم فيها حفر الغاز الطبيعي على أساس تجريبي تنتمي إلى الجرف القاري التركي.
ومددت تركيا الخميس مهمة مثيرة للجدل للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط وأعلنت عن تدريبات بحرية جديدة في وقت يخشى أن يخرج نزاعها مع اليونان والاتحاد الاوروبي على موارد الطاقة والحدود البحرية، عن السيطرة.
وأعلنت البحرية التركية تمديد مهمة سفينة المسح الزلزالي عروج ريس والسفن الحربية المرافقة خمسة أيام إضافية تنتهي الثلاثاء.
كما أعلنت عن خطط لإجراء “تدريبات للمدفعية” على أطراف مياهها الإقليمية في الزاوية الشمالية الشرقية للمتوسط الثلاثاء والأربعاء القادمين.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن التدريبات على إطلاق النار لا تتعلق بنزاع تركيا مع اليونان على مسألة الوصول إلى احتياطيات اكتشفت مؤخرا، يمكن أن تقدم لأوروبا موارد كبيرة جديدة للطاقة وتخفض اعتمادها على روسيا.
وتدرك أوروبا أكثر من أي وقت مضى أن تركيا أصبحت عبئا ثقيلا في ظل النهج الصدامي الذي ينتهجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضاربا بعرض الحائط القيم الأوروبية التي على أساسها يحدد الاتحاد الأوروبي علاقاته الخارجية.
وحذّر أردوغان من أن بلاده لن تقدم “أي تنازل” في الدفاع عن مصالحها المرتبطة بالغاز في شرق المتوسط، داعيا اليونان إلى تجنّب أي “خطأ” يمكن أن يؤدي إلى “خرابها”.
ويرى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أوروبي، أن أوروبا تحتاج إلى اتفاق موسع مع تركيا يمكن أن يسفر عن إطار لحسم النزاعات القصيرة والطويلة المدى والتي تغطي الطاقة والحدود البحرية والنزاع القبرصي.
وكادت اليونان وتركيا تخوضان حربا في عام 1974 بشأن قبرص التي باتت منقسمة منذ ذلك الحين حيث تدير إدارة من القبارصة الأتراك تعترف بها تركيا فقط الثلث الشمالي بينما تدير حكومة من القبارصة اليونانيين تحظى بالاعتراف الدولي الثلثين الواقعين في الجنوب.
والموقف العقابي الذي تطالب به اليونان وقبرص وفرنسا، الذي يدعو إلى فرض عقوبات اقتصادية، غالبا ما يواجه بالصد من جانب ألمانيا وإيطاليا ومالطا وغيرها من الدول التي تريد حماية علاقاتها مع تركيا.
وبدأت أربع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، اليونان وفرنسا وإيطاليا وقبرص، الأربعاء تدريبات عسكرية مشتركة في شرق المتوسط ردا على اتخاذ أنقرة نهجا تصعيديا قائلة إنها لن تقدم “أي تنازل” في تلك المنطقة.
وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي في تغريدة أكدت فيها بدء التدريبات العسكرية المشتركة إن “المتوسط يجب ألا يكون ملعبا لطموحات البعض: إنه ملكية مشتركة”، حيث “احترام القانون الدولي يجب أن يكون القاعدة وليس الاستثناء”.