أسابيع قليلة وينطلق سباق الترشح لعضوية مجلس النواب، رسميا، بعد أن تعلن اللجنة الوطنية للانتخابات الأسماء النهائية للمرشحين وبدء حملتهم الانتخابية.
وبالرغم من ذلك، فقد بدأ المرشحون جولاتهم الانتخابية وسط عائلاتهم وأهالي الدائرة التي يمثلونها، وقد شهدت الأسابيع الماضية تحركات مازالت مستمرة، رغم الاحتياطات التي فرضتها الحكومة في إطار جهودها لمحاربة انتشار وباء فيروس كورونا منذ مارس الماضي.
ووسط غضب مثل حالة عامة في مختلف محافظات مصر من أهالي الدوائر من نوابهم، حيث لم يتواجدوا بين الأهالي منذ انتخابهم في عام 2015 كما كانوا أيام الترشح، علاوة على ضعف الخدمات الخاصة بأهل الدائرة على المستوى العام والخاص.. وسط هذا الغضب وجدنا هؤلاء النواب قد أعادوا ترشحهم لدورة (2020-2025)؛ ما أثار غضب وحنق الناخبين وتبادل المشاحنات أثناء النقاشات مع مؤيدي النواب الحاليين الذين يتبارون في تسويق جهود الحكومة وما تم تنفيذه من خطتها حيث ينسب كثير من النواب هذه الجهود لأنفسهم.
ومع تسارع الترشح وظهور وجوه جديدة طفت على الساحة خلافات كبيرة بين الأحزاب بخصوص نسبة كل حزب في القائمة المشكلة من الأحزاب تحت مسمى “القائمة الوطنية”، والعنصر اللافت في هذه القائمة هو أبناء قيادات ورموز الحزب الوطني الديمقراطي (المنحل قضائيا) بعد أحداث 25 يناير 2011، وهو ما أثار غضبا آخر لدى الناخبين، معتبرين أنها صورة جديدة من الحزب الوطني، وأن جيل الآباء يورث مقاعد مجلس النواب للأبناء للحصول على الحصانة البرلمانية التي يسخرها هؤلاء لحماية مصالحهم، خلال السنوات الخمس، ولتعويض ما دفعوه من تبرعات مادية (بملايين الجنيهات) لأحزابهم طيلة عضويتهم في مجلس النواب.
إن المشهد الذي ألفه المصريين لعقود طويلة من طغيان المال السياسي على الكفاءة والنزاهة عاد وبقوة علنية في انتخابات 2020 وبصورة قد أزعجت النظام نفسه. فلا يتصور أحد مع كل مناسبة يؤكد فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه لا يمثل حزبا ولا حزبا يمثله وأنه لا يتمتع بأي خلفية سياسية، كما أكد من قبل بأنه ليس سياسيا (من الذين يقولون الكلام) قاصدا أنه رجل يحكم بالأفعال لا الأقوال.. لا يتصور أحد أن الحزب المتصدر المشهد بالاعتماد على استغلال حاجة الناس هو حزب الرئيس أو النظام الحاكم.
فقط هو مجموعة من هواة الممارسة السياسية الذين يستغلون الفقراء والجهلاء ممن يمكن السيطرة عليهم بزجاجات الزيت والصلصة أو أكياس السكر والمكرونة وبطاطين الشتاء في صورة خالفت كل أصول وأعراف العمل السياسي.
إن المال السياسي الذي ظهر بقوة لينال المرشح بركة الترشح ممثلا الحزب المزعوم عن مقعده سواء في المقاعد الفردية أو القائمة أطلق شرارة غضب شعبية مسبقة، ومع وعي الجماهير، ستكشف صناديق الاقتراع عن نتيجة التصويت ضد هذا المال.
أسئلة مشروعة حار الجميع في الوصول إلى الإجابة عليها، طالما يمتلك هؤلاء المرشحون كل هذه الأموال، وطالما سينفقون، ما يقاربها أو يتجاوزها، من نفقات للحملات الدعائية والانتخابية، فلماذا لا يوجهونها لخدمة دوائرهم بالتنسيق مع الأجهزة التنفيذية ومؤسسات الحكومة المختلفة؟!!
كما أن هناك حالات اجتماعية وإنسانية في كل الدوائر.. لماذا لا يتجمع هؤلاء المرشحين القادرين وتوجيه أموالهم لرعايتها وقضاء احتياجات تلك الحالات بدلا من السعي لشراء الحصانة بطريق المقامرة لا المنافسة الحرة؟!
إن السعي، بل اللهث وراء منصب عضو مجلس النواب بهذه الطريقة لأكبر دليل فاضح على الهدف الكامن لدى المترشحين لنيلهم هذا المنصب.
وفي أبسط أنواع هذا السعي من يتصورون أنه إرث واجب لعائلاتهم ولا يجب أن يخرج عنهم، أو من يريده لزوم الوجاهة الاجتماعية، حتى يكتب الصفة ولو بعد زوالها أو في كتابة نعي وفاتهم.
كل ما سبق يطرح السؤال الأهم.. من هو النائب الذي نريده؟
النائب الذي يريده الشعب هو ذلك النائب الذي يتمتع بمواصفات ومؤهلات النائب الذي يمثل الشعب تمثيلا حقيقيا، نابعا من فهمه وإدراكه لطبيعة العملين الرقابي، والتشريعي، ويكون على تماس بالعمل العام، يستطيع تقديم الخدمات من قبل أن يصبح نائبا، وقبل كل هذا يتمتع بحضور طاغٍ أمام كل المسؤولين وفي مختلف مؤسسات الدولة.
النائب الذي يريده الشعب هو النائب الذي لا يغيب عن أهل دائرته، فيحرص على التواجد بينهم، يشاركهم مناسباتهم المختلفة (كلما أتيحت الظروف) كما كان حريصا على التودد لهم وعناقهم والارتماء في أحضانهم وتقبيلهم في أيام الانتخابات.
الناس يريدون نائبا، بجانب وظيفته التشريعية، ينجز لهم ويسرع الخدمات العامة لدائرته، وكذلك الخدمات الخاصة في إطار ما هو حق للمواطن ورفع المظلمة الواقعة عليه، لا بطريق التزكية أو التوصية.
إن النائب الذي يمتلك أدوات ومهارات العمل النيابي لتوظيفها في الاستجوابات وطلبات الإحاطة والبيان العاجل وغيرها لتسخير لتذليل كل الصعاب أمام الناس هو النائب الذي يريده الشعب.
وأخيرا، إذا لم تستطع أن تصبح نائبا لتخدم أهل دائرتك، كما تدعي، فيمكنك أن تخدم من موقع مهنتك، أي كانت، فالإنسان الخدوم بطبعه يسخر نفسه لخدمة الناس من أي موقع في حدود ما يملك.