جزء كبير من ذواتنا ينتمى لتراثنا الثقافى ، والمجتمع الذى نحيا ونموت فيه.لهذا فالمكون الثقافى، والاجتماعى له عظيم الأثر فى تشكيل شخصية الإنسان،والسلوك الذى ينتهجه .ومن ثم فإن الأنثربولوجيا بوصفها علم دراسة الإنسان فى حياته الثقافية والإجتماعية لا تهتم بدراسة الإنسان بمفرده أو فى عزلته عن العالم ،وإنما تدرس “الإنسان فى المجتمع” أو ما أسماه الأنثربولوجيون الإنسان ككائن اجتماعى.
والسلوك الذى يكتسبه الإنسان من خلال علاقاته المتنوعة بالمحيطين به ،وردود أفعاله بناء على عملية الإكتساب تلك فى صورة إبداعات علمية وفنية،وثقافية ،وعملية.
ويعرف “قاموس الأنثربوجيا” كلمة Anthropocentrism أو مركزية الإنسان بأن الإنسان يحتل أهمية مركزية فى الكون .وكلمة Anthropology أو Anthropogenesis بأنها :-“علم أصل الإنسان ، أى العلم الذى يبحث فى أصول الإنسان،وفى العوامل التى أدت إلى نشأته ،ووجوده ،كالدراسة الجيولوجية للظروف الطبيعية التى كانت سائدة على الأرض حين ظهر الإنسان عليها “.
وتعد الرحلات التى قام بها قدماء المصريون منذ عام 1493 قبل الميلاد من أقدم الرحلات التجارية صوب جنوب مصر من أجل بيع البضائع مثل البخور ،والعطور ،والبضائع النفسية ،وهذه الأسفار النيلية عمقت أواصر العلاقات بين مصر،وأقزام أفريقيا.
وهذا ما صورته النقوش على جدران معبد الدير البحرى ، وأوضحت النقوش عادات تلك الشعوب ،وسماتهم الجسمية التى تختلف عن المصريين . كما أيضاً تناولت الحضارة اليونانية القديمة وصف الشعوب القديمة عندما تناولها الشاعر الإغريقى هوميروسHomer فى ملحمتى الألياذة،والأوديسة فى القرن الثامن ،والتاسع قبل الميلاد ، وأيضاً كتابات المؤرخ اليونانى هيردوتHeredotus فى القرن الخامس قبل الميلاد ،والذى يعد أول باحث أنثربولوجى فى التاريخ يصف السمات الجسمية،والسلالية ،والثقافية للمجتمعات غير الأوربية ،وفى القرن السابع عشر كانت الأنثربولوجيا تهتم بدراسة الكسمولوجيا (علم الكون) ،فى مقابل علم الإلهيات (الثيولوجيا).
وقد بدأ الاستعمال الفعلى للأنثربولوجيا لدراسة أصول المجتمعات الإنسانية ، وعاداتهم فى نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين . حيث زاد الاهتمام بها فى المجتمعات الأنجلوساكسونية (بريطانيا وأمريكا) ،حيث كان الاهتمام بالأنثربولوجيا البيولوجية أو الفيزيائية أى دراسة الجسد.
ثم ارتبط الجسد بالروح الإنسانية ،وتطور الأمر لدراسة الأنثربولوجيا الاجتماعية الثقافية ، ودراسة حالات الشعوب.
وفى الستينيات من القرن التاسع عشر بلغت الأنثربولوجيا أوجها خاصة مع كتابات “مارجريت ميد” ،وبحوثها فى الأنثربولوجيا ،حيث كتبت مقالاً بعنوان ” العصر الذهبى للأنثربولوجيا” عام 1965 . ومع كتابات مالينوفسكى فى القرن العشرين عن الباحث الأنثربولوجى ،وأهمية تعلمه لغة المجتمع الذى يدرسه ،وأساسيات الدراسة الحقلية ، وضرورة معاشرة الباحث اليومية لمجتمع الدراسة ، ويندمج مع الجماعة إندماجاً كلياً.
أما عن الأنثربولوجيا التربوية فقد بدأت منذ عام 1904 عندما بدأ يكتب هويت Hewett عن الأنثربولوجى الأمريكى . كما بدأت إلقاء المحاضرات الهامة فى عام 1961 فى الأنثربولوجيا التربية على يد جى برومبغ G. Brumbaugh والحث على دراسة الأنظمة التربوية داخل المجتمعات ، من أجل إيجاد نوع من التفاهم المشترك بين متنوع الثقافات.
من هنا أضحت الدراسات التربوية الأنثربولوجية أساسية بالجامعة من أجل التعرف على الأنماط الثقافية الأصيلة والوافدة على المجتمع الأكاديمى، ووضع آليات للتعامل مع تلك الثقافات فى مجتمع قائم على التعددية الثقافية ،والتنوع الثقافى فى مجتمع المعرفة داخل الجامعات العالمية لاسيما المصرية التى تستقطب طلاب وطالبات من كافة أنحاء العالم.
من هنا يمكن حصر دواعى غرس الدراسات الأنثربولوجية التربوية فى الجامعات المصرية بالنقاط التالية :
أولاً : دراسة شاملة للثقافات الأصيلة ،والوافدة على المجتمع العلمى الأكاديمى. ثانياً: التخطيط المستقبلى للتعامل مع احتياجات تلك الثقافات بناء على الدراسة الأنثربولوجية الشاملة. ثالثاً : بناء مناهج تربوية متخصصة فى الدراسات الأنثربولوجية للمجتمع العلمى الأكاديمى. رابعاً : استيعاب شامل لتلك الثقافات،واحتواء برامج التنمية الشاملة وفقاً لنتائج الدراسات العلمية الأنثربولوجية. خامساً: إدارة المخاطر الناجمة عن التحديات الثقافية ،والاجتماعية نتيجة الصراع بين الثقافات . سابعاً: تعميق ثقافة الحوار المستند إلى التعددية الثقافية واحترام الخصوصيات الثقافية أيضاً.
*كاتبة المقال: أستاذة أصول التربية بجامعة عين شمس.