أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية ضرورة أن تتعامل إثيوبيا مع قضية ” السد الإثيوبي” بنهجٍ مغايرٍ تمامًا عن ذي قبل، وألا تخاطر بالملء الثاني دون اتفاق، وألا تركن إلى هدوء وتحضر مواقف دولتي المصب (مصر والسودان)، واستمرار تبنيهما أولوية المسار التفاوضي.
وشدد اللواء محمد إبراهيم – في مقال له بعنوان “السد الإثيوبيّ.. هل من جديد؟” نشره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية – على ضرورة استمرار التنسيق المصري-السوداني تجاه أسلوب التعامل مع قضية السد الإثيوبي، والوصول بهذا التنسيق إلى معدل التوافق الكامل في الموقف الذي سوف تتخذه الدولتان خلال الأسابيع القليلة المتبقية قبل الملء الثاني، مع أهمية التسويق العاجل لهذا الموقف إقليميًا ودوليًا، وإظهار عدم التخلي عن خيار التفاوض حتى اللحظات الأخيرة.
وأشار إلى أهمية التدخل الدولي بشكل عاجل وسريع من أجل تبني عملية وساطة جديدة لاستئناف المفاوضات التي لا تزال حتى الآن هي الخيار الأول لدولتي المصب حفاظًا على الاستقرار الإقليمي، مع أهمية تفعيل المقترح السوداني بشأن الوساطة الرباعية، بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار أن جولات التفاوض السابقة كانت قد وصلت إلى نتائج متقدمة تم رفضها كلها من جانب إثيوبيا، وخاصة اتفاق واشنطن الذي وقّعت عليه مصر بالأحرف الأولى في نهاية فبراير 2020 وغابت إثيوبيا عن المشاركة في هذا الاجتماع.
وقال إبراهيم إنه من الواضح أن مفاوضات السد الإثيوبي لا تزال تُراوح مكانها، ولعل كل من تابع تطورات هذه المفاوضات المطولة قد وصل إلى نتيجة واحدة مفادها أنه لا يوجد أي جديد حتى الآن من شأنه أن يؤدي إلى حل نهائي لهذه الأزمة التي تقترب من إتمام عقدها الأول، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن إثيوبيا قد وضعت حجر الأساس للسد في الرابع من أبريل عام 2011.
وأضاف أن المفاوضات التي تمت بين الأطراف الثلاثة لسنوات طويلة، ولا سيما في أعقاب توقيع إعلان المبادئ في 23 مارس 2015، ثم جهود الوساطة التي قامت بها الولايات المتحدة والبنك الدولي ابتداء من السادس من نوفمبر 2019، وأخيرًا الوساطات المتتالية للاتحاد الإفريقي؛ كلها وصلت إلى طريق مسدود، في الوقت الذي تحركت فيه إثيوبيا منفردة وقامت في منتصف عام 2020 بعملية الملء الأول، ومقداره 4,9 مليار متر مكعب، وللأسف دون اتفاق مع كلٍّ من مصر والسودان.
وتابع: “وإذا كانت مفاوضات السد الإثيوبي تمر خلال هذه المرحلة بحالة من الجمود في أعقاب فشل وساطة الاتحاد الإفريقي خلال تولي رئيس دولة جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، وعدم تحقيق أي تقدم؛ إلا أن إثيوبيا تسعى من جانبها إلى تكرار نهجها السابق نفسه، حيث أعلنت بمفردها اعتزامها إتمام عملية الملء الثاني خلال الشهور القليلة القادمة بما مقداره 13 مليار متر مكعب، ليصل حجم المياه خلف السد بعد هذه الخطوة المرتقبة إلى حوالي 18 مليار متر مكعب، وحتى دون اتفاق مع مصر والسودان”.
وتساءل إبراهيم: ما هي الإجراءات التي يمكن لكل من مصر والسودان اتخاذها، سواء كانت كل دولة على حدة أو مجتمعتين في حالة استمرار هذا الموقف الإثيوبي المتعنت؟ وكيف يمكن الوصول إلى الحل الأمثل الذي تنادي به الدولتان وهو التوصل إلى اتفاق عادل وشامل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد طبقًا لما نص عليه إعلان المبادئ الملزم للدول الثلاث والموقع من حوالي ست سنوات في الخرطوم (ينص البند الخامس على مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد)، حيث تحاول إثيوبيا تفسير هذا الإعلان طبقًا لمصالحها، ولا تطبق من بنوده العشرة إلا ما تراه مناسبًا لها فقط.
واستطرد بقوله: “لعلي أختلف مع الكثيرين الذين يرون أن التطورات الأخيرة ليس بها أي جديد، ولن أكون مبالغًا عندما أؤكد أن هناك متغيرات هامة وجديدة -إذا ما أُحسن استثمارها– يمكن أن تمثل عوامل ضاغطة على النظام الإثيوبي، بل من المفترض أن تدفعه إلى إبداء المرونة في مواقفه والتجاوب مع المطالب المصرية والسودانية حتى يمكن عبور هذه الأزمة التي من المؤكد أنها سوف تؤدي في حالة استمرارها إلى تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي”. وقال نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: “بعيدًا عن الدخول في النواحي الفنية والقانونية، أود التركيز على ثلاثة عوامل هامة تؤثر على مسار أزمة السد، وهي عوامل مرتبطة بالمواقف والسياسات التي عبر عنها مؤخرًا السادة المسئولون في كل من مصر والسودان”.
واستعرض اللواء محمد إبراهيم العوامل الثلاثة، حيث أشار إلى أن العامل الأول هو أن القيادة السياسية المصرية لا تزال ترى بل وتؤكد في كل المناسبات أن المفاوضات هي السبيل الأمثل لحل هذه الأزمة، وأنه من الضروري التوصل لاتفاق قانوني وملزم قبل موسم الأمطار المقبل من أجل حفظ حقوق دول المصب، ولكنّ القيادة المصرية أكدت -في الوقت نفسه- بشكل قاطع أنه لا يمكن استمرار عملية التفاوض إلى ما لا نهاية، وهو ما يعني أن هناك سقفًا زمنيًا لا يجب تخطيه.
وأوضح أن العامل الثاني يتمثل التغيير الحاد والإيجابي غير المسبوق في الموقف السوداني الوطني الذي أصبح يرى في الملء الثاني للسد الإثيوبي تهديدًا لأمن السودان القومي ورفض سياسة الأمر الواقع.
ونوه بأن العامل الثالث هو تكثيف الاتصالات المصرية-السودانية على أعلى المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية خلال الفترة الأخيرة بصورة غير مسبوقة، والنجاح في التوصل إلى توافق تام في موقف الدولتين إزاء العديد من القضايا الاستراتيجية، وعلى رأسها خطورة الملء الثاني للسد الإثيوبي دون التوصل لاتفاق.
وقال: “إذن، نحن أمام موقفين متطابقين لكل من مصر والسودان، ويتبنيان رؤية سياسية إيجابية جوهرها المطالبة باستئناف العملية التفاوضية من خلال مقترح سوداني شديد المنطقية يتمثل في وساطة رباعية دولية تتكون من كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة، على أن تتم هذه المفاوضات تحت إشراف ورئاسة الاتحاد الإفريقي الذي يترأسه حاليًا “فيليكس تشيسيكيدي” رئيس جمهورية الكونجو الديمقراطية.
وأضاف أنه في المقابل، فلا شك أن أية محاولة لقراءة الموقف الإثيوبي تشير إلى أنه أصبح موقفًا خارج إطار أي تفسير منطقي، فهو من ناحية لم يقدم أية تنازلات خلال مئات جلسات التفاوض السابقة، ثم يرفض من ناحية أخرى كافة الحلول الوسط التي تم تقديمها من جانب مصر والسودان وبعض الوسطاء، وخاصة الولايات المتحدة والبنك الدولي، كما يعارض المقترح السوداني الأخير بشأن استئناف المفاوضات على أساس وساطة رباعية جديدة، مع تفضيله مواصلة وساطة الاتحاد الإفريقي فقط الذي –في رأيي– لا يمتلك القدرة على تحقيق الإنجاز المطلوب رغم تقديري للجهود الإفريقية المبذولة.
وتابع: “من المستغرب أن الجانب الإثيوبي يبدو أنه على قناعة بسلامة موقفه، ويعتقد أنه قادر على فرض سياسة الأمر الواقع، والإمعان في تحد ليس فقط مصر والسودان ولكن تحدي المجتمع الدولي كله، كما أنه يتجاهل عن عمد تأثير عدم التوصل إلى حلٍّ قريبٍ لهذه الأزمة على استقرار الأمن الإقليمي، بل تهديد السلام العالمي، ويتعامل مع هذا الأمر بلا مبالاة.
وناشد إبراهيم الجانب الإثيوبي إعادةَ حساباته بكل هدوء وروية وشجاعة، وأن يرى أن المخرج من هذه الأزمة ليس مستحيلًا، ولا يتطلب مثل هذا العناد والتشدد غير المبرر، وأن يكون على قناعة بأن الأمور لن تسير على هذا النحو إلى ما لا نهاية، لأننا نتعامل مع أزمة وجود وحياة ترتبط بمصير ومستقبل أجيال قادمة في كل من مصر والسودان، وعندما نتحدث عن أزمة وجود فإن كافة الخيارات تصبح متاحة.
وقال: “أرجو من الجانب الإثيوبي أن يتمعن في قراءة التصريح الذي أدلى به الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرًا، ويؤكد عليه بصفة دائمة، وهو أن نهر النيل يجب أن يكون مجالًا للتعاون والتعايش والتنمية وليس أداة للصراع، كما يجب على النظام الإثيوبي أن يعلم أن مصر تعلن بوضوح وعن قناعة أنها ليست ضد التنمية الاقتصادية الإثيوبية أو ضد بناء السد، ولكن بشرط ألا يجور ذلك على الحقوق المائية للدولة المصرية التي تعتمد على مياه نهر النيل بأكثر من 95% من احتياجاتها”.
وتابع بقوله: “إذن نحن نقترب من مرحلة شديدة الخطورة، وبَدْء العد التنازلي لها في ضوء اتجاه إثيوبيا للملء الثاني وهي تصم أذنيها عن أية مطالب مشروعة من دولتي المصب، ولم تعد مصر والسودان تكتفيان فقط بالمطالبة باستئناف المفاوضات، بل اتّجهتا بالتوازي لتوحيد موقفيهما المشترك، والتأكيد على أن مسألة الملء الثاني للسد تمثل تهديدًا واضحًا لأمنهما القومي، وبالتالي فإنه لا مجال أمام إثيوبيا سوى التوصل لاتفاق قبل هذا التوقيت الحرج الذي نتمنى أن يحمل بين طياته عوامل الحل وليس عوامل التوتر الذي يمكن أن يصل إلى مرحلة الانفجار إذا لم يتم التوصل إلى حل مُرْضٍ يحقق مصالح جميع الأطراف”.
واختتم اللواء محمد إبراهيم مقاله بالتأكيد على أن عامل الوقت أصبح حرجًا للغاية، خاصة في ظل أن مرحلة الأمطار الغزيرة في إثيوبيا سوف تبدأ في يونيو وحتى سبتمبر 2021، مع التوقع بأن يبدأ الملء الثاني للسد في شهر يوليو القادم، الأمر الذي يتطلب استمرار التنسيق المصري-السوداني تجاه أسلوب التعامل مع قضية السد الإثيوبي، والوصول بهذا التنسيق إلى معدل التوافق الكامل في الموقف الذي سوف تتخذه الدولتان خلال الأسابيع القليلة المتبقية قبل الملء الثاني، مع أهمية التسويق العاجل لهذا الموقف إقليميًا ودوليًا، وإظهار عدم التخلي عن خيار التفاوض حتى اللحظات الأخيرة.
وشدد على أهمية التدخل الدولي بشكل عاجل وسريع من أجل تبني عملية وساطة جديدة لاستئناف المفاوضات التي لا تزال حتى الآن هي الخيار الأول لدولتي المصب حفاظًا على الاستقرار الإقليمي، مع أهمية تفعيل المقترح السوداني بشأن الوساطة الرباعية، بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار أن جولات التفاوض السابقة كانت قد وصلت إلى نتائج متقدمة تم رفضها كلها من جانب إثيوبيا، وخاصة اتفاق واشنطن الذي وقّعت عليه مصر بالأحرف الأولى في نهاية فبراير 2020 وغابت إثيوبيا عن المشاركة في هذا الاجتماع.
وأكد ضرورة أن تتعامل إثيوبيا مع هذه الأزمة فيما تبقى من وقت بنهجٍ مغايرٍ تمامًا عن ذي قبل، وعليها أن تراعي تمامًا ثلاث نقاط رئيسية. النقطة الأولى هي ألا تخاطر بالملء الثاني دون اتفاق. والنقطة الثانية ألا تركن إلى هدوء وتحضر مواقف دولتي المصب واستمرار تبنيهما أولوية المسار التفاوضي. أما النقطة الثالثة فيجب على إثيوبيا ألا تتعامل مع قضية السد مثلما تتعامل مع قضاياها الداخلية، فمن المؤكد أن تداعيات قضية السد ومتطلبات الحل لا يمكن مقارنتها بأي حالٍ من الأحوال بأية قضايا أخرى.