لا يزال صدى تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد يتردد في الأوساط السياسية، حيث فتح الخطاب الذي ألقاه بمناسبة العيد الوطني لقوات الأمن الداخلي الـ65 الأحد الباب على مصراعيه أمام الجدل حول الصلاحيات الأمنية والعسكرية، لكن أيضا حول فرضية رفع الحصانة عن نواب في البرلمان وسياسيين آخرين.
وفيما توالت ردود الفعل خلال الساعات الماضية حول إعلان الرئيس سعيد احتكار قيادة القوات الأمنية والعسكرية ذهب شق آخر من الأوساط السياسية والقانونية إلى أن الرئيس يحضر لشيء ما في علاقة بأطراف سياسية وبرلمانية، ما ينذر بمواجهة بدأت تلوح في الأفق لاسيما في ظل غياب أي قناة للحوار بين الفرقاء.
وأكد الرئيس سعيد خلال إشرافه على موكب الاحتفال بالعيد الوطني لقوات الأمن الداخلي الذي انتظم بحضور رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي أن “هناك من يتمسك بالحصانة أو بالقرابة في حين أن الحصانة مقصدها هو ضمان حرية الموقف وحرية التعبير وحرية الرأي وليست القذف والثلب والكذب والافتراء”.
وأضاف “الحصانة لا يمكن أن تكون حائلا أمام المساءلة أو الإفلات من العقاب”، موضحا “اليوم صبر وغدا أمر” في تلميح أثار جدلا واسعا حول ما إذا كان الرئيس سعيد يحضر لإطلاق مواجهة شاملة مع خصومه.
واعتبرت أوساط قانونية أن الخطاب يظهر أن قيس سعيد يمهد لتحرك ما ضد نواب وسياسيين.
وقال أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي في تدوينة على صفحته في “فيسبوك” إنّ الرئيس سعيد “مقبل على اتخاذ قرارات مؤلمة وأيام صعبة، قد تبدأ بجملة من الاعتقالات في صفوف نواب، وهذا ظاهر من خلال قوله إنه لا يمكن التمسك بالحصانة”.
وتابع الخرايفي أن سعيد لوّح بـ”اعتقالات في صفوف سياسيين عندما قال إنه لن تنفعهم المصاهرة (…) أو الاستقواء بالخارج أو بالمال أو بالجاه السياسي”.
وسارعت جهات وشخصيات سياسية، من بينها حركة النهضة الإسلامية، إلى رفض تصريحات قيس سعيد سواء المتعلقة بتنصيب نفسه قائدا أعلى للقوات الأمنية والعسكرية أو المرتبطة بالحصانة.
واعتبر الناطق باسم حركة النهضة فتحي العيادي في تصريحات لإذاعة محلية أن “خطاب رئيس الجمهورية يؤكد أن رئيس الجمهورية يمضي نحو هدم هذه التجربة”، في إشارة إلى تجربة الانتقال الديمقراطي.
من جهته اتهم رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل أحمد نجيب الشابي الرئيس سعيد بأنه يحضر لـ”انقلاب ناعم على السلطة”.
وفي المقابل تُبدي أوساط أخرى تفاؤلها بتحرك الرئيس سعيد معتبرة أن ذلك سيحرر القضاء والأمن من أجل عدم التردد في مواجهة من تلاحقهم شبهات فساد أو إرهاب أو غير ذلك.
وقال محسن النابتي الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي “قيس سعيد تحرك ضمن ما يخوله له الدستور، لا أدري لماذا غضب عليه تنظيم الإخوان في تونس”.
وأضاف النابتي، بحسب صحيفة ”العرب” اللندنية، أنه “لو يتحرر القضاء والأمن ويقومان بواجبهما على أكمل وجه تجاه المتورطين في جرائم كبرى تمس الأمن القومي، ومن بينها الاغتيالات وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر واختراق الأجهزة الأمنية والجرائم المرتبطة بالانتخابات وغيرها، فإن الإيقافات ستكون كثيرة في صفوف النواب والسياسيين”.
وقال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي إن “الرئيس سعيد قدم قراءته للدستور وتأويل فصول حول من يقود القوات المسلحة العسكرية والمدنية”، معتبرا في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية أن “القضية الأساسية تتمثل في ما أثارته هذه التصريحات من ردود أفعال واتهامات لرئيس الدولة بالانقلاب وهو أسلوب دأبت عليه النهضة مع المختلفين عنها، وهو لم يشهر في وجوههم سلاحا بل دستورا”.
وتحذر أوساط تونسية من إقحام المؤسسة الأمنية في الخلافات السياسية بما ينطوي عليه من تداعيات على استقرار البلاد التي لا تزال تواجه في كل مرة تفجرا لاحتجاجات اجتماعية وكذلك خطر الجماعات المتشددة.
وأشار الإعلامي والمحلل السياسي إبراهيم الوسلاتي إلى أن “الخطر الحقيقي يكمن في إقحام المؤسسة الأمنية في الصراع السياسي، هذه نذر مواجهة يكون الأمن طرفا فيها”.
وأضاف الوسلاتي في تصريح لـ”العرب” اللندنية: إن “سعيد لن يغفر للمشيشي عزله لتوفيق شرف الدين وزير الداخلية المقرب منه”، لافتا إلى أن “قيس سعيد بعث بمجموعة من الرسائل أهمها أنه لن يفلت أحد من العقاب مهما كانت صفته مسؤولا أو مقربا من مسؤول كبير”.
وأردف أن “قيس سعيد قد يكون لديه عدد من الملفات بشأن بعض الشخصيات السياسية ورجال الأعمال والنواب الذين تعلقت بهم قضايا أو شبهات فساد”، ولم يستبعد أن “يعتمد رئيس الجمهورية الأمر المتعلق بحالة الطوارئ لسنة 1978 لإيقاف عدد من الذين أشار إليهم”.