تتجه أنظار العالم إلى الجمهورية الإيرانية في الثامن عشر من يونيو المقبل، حيث انتخابات رئاسية جديدة، وسط تطاحنات سياسية واقتصادية (داخلية وخارجية) عانى منها النظام في السنوات الثلاثة الأخيرة، علاوة على استمرار الموجة الثالثة لوباء فيروس “كورونا المستجد” الذي طاف العالم بأسره.
وتأتي انتخابات هذا العام مواكبة لمتغيرات على مختلف الأصعدة خلقت توترا لدولة الملالي وخاصة على المستوى الدولي بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الذي نجحت إيران في اقتناصه مع الدول الست الكبرى (أمريكا، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والصين) في صيف 2015 مقابل سلمية البرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أصدر قرارا بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وعودة العقوبات الأمريكية على إيران مجددا؛ ما أعاد التوتر القديم مرة أخرى بين أمريكا وإيران، رغم وصف أمريكا الاتفاق بـ”التاريخي” في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي ساهم في إنجاز هذا الاتفاق قبل انتهاء رئاسته.
وتبذل إيران حاليا جهودا مضنية لإحياء الاتفاق النووي من خلال المفاوضات التي تستضيفها العاصمة النمساوية “فيينا” حاليا، منذ مطلع أبريل الماضي، على أمل أن تنهي أمريكا العقوبات المفروضة على إيران، فهي ورقة يلعب بها النظام الإيراني لكسب ود شعبه وفرض هيمنته في المنطقة بعد أن وصل البرنامج إلى مرحلة تؤهله إلى امتلاك سلاحا نوويا.
وعلى صعيد آخر، فقد شهدت إيران، ولأول مرة منذ الثورة الإسلامية في عام 1979 ثلاث انتفاضات شعبية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية الخانقة، واتهامات بتوجيه أموال الشعب الإيراني إلى جماعات وحركات مسلحة لفرض نفوذها وسيطرتها على عدد من الدول العربية (العراق وسوريا ولبنان واليمن) في محاولة لتحقيق حلم فارسي قديم بعودة الامبراطورية الفارسية وفرض أجنحتها على ما يعرف بمنطقة (الهلال الشيعي).
ورغم أن النظام نجح في وأد تلك الانتفاضات، إلا أنها سجلت رقما مهما في متغيرات المعادلة السياسية بين الشعب والنظام بعد أن كان لا يجرؤ أحد على فتح فمه أو مجرد التعبير بأي من الوسائل خوفا من البطش به أو الإقبال على إعدامه، فمن المعروف أن إيران تقع على رأس الدول التي تنفذ عقوبات الإعدام بحق سياسيين.
ولعل ما ساعد الشعب الإيراني في انتفاضاته التي عمت أرجاء إيران في الأعوام 2018 و2019 و2020 حركة “مجاهدي خلق” والتي تتخذ حاليا من ألبانيا مقرا لها بزعامة مريم رجوي، حيث زادت شعبية الحركة في الداخل الإيراني؛ نظرا لاعتبارها الحركة الأولى في قوام الحركات المعارضة للنظام الإيراني في الخارج، وقد نجحت الحركة في التواصل مع الشباب داخل إيران أثناء الانتفاضات الثلاثة من خلال شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي أثناء الاستعدادات للانتخابات الرئاسية أفصحت وسائل الإعلام الرسمية للنظام الإيراني بصراحتها عن تخوفها من “مجاهدي خلق” وتحذير الشباب والمواطنين من الانصياع لتوجهات الحركة التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، مهددة بالتصعيد، وتحذير المجتمع الدولي من سياسة الأمل في اعتدال نظام الملالي الحاكم.
وفي هذا الصدد تبذل “مجاهدي خلق” جهودا حثيثة لتحريض الشعب الإيراني على مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي تصفها بـ”المسرحية الهزلية”، خاصة بعد أن دفع المرشد الأعلى علي خامنئي بتلميذه إبراهيم رئيسي الرئيس الأعلى للسلطة القضائية في إيران، والذي ينال دعما قويا من “خامنئي” عن بقية المرشحين الستة الآخرين الذين أقر ترشيحهم مجلس صيانة الدستور.
وترجع محاولات “مجاهدي خلق” إلى كون “رئيسي” الرجل الأبرز والمسؤول الأكبر عن المذابح التي ارتكبها النظام في عام 1988 وأعدم على إثرها أكثر من 30 ألف سجينا سياسيا، فكان عضوا بأحد المحاكم التي تشكلت بفتوى من المرشد الأعلى الراحل آية الله الخميني ونفذت تلك الإعدامات التي تطالب “مجاهدي خلق” وعائلات الضحايا بمقاضاة منفذيها وعلى رأسهم المرشح الرئاسي إبراهيم رئيسي.
أما ما يثير الاندهاش بحق هذه الانتخابات وظهور مؤشرات معرفة نتائجها سلفا لصالح إبراهيم رئيسي المدعوم من “خامنئي” هو كيف سيتعامل “رئيسي” ويقيم علاقات مع الغرب؛ حيث أنه أبرز المسؤولين الإيرانيين المدرجين على لوائح العقوبات الأوروبية منذ سنوات لتورطه في انتهاكات حقوقية واسعة؟! هل حقا هناك انتخابات رئاسية في إيران؟.. سؤال يطرح نفسه بقوة على المشهد السياسي الإيراني بعد أن أطلق الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد تصريحات “كاشفة للمشهد”، حيث حذر “نجاد” في تصريحاته من انهيار وتفكك البلاد، مؤكدا على أن الأوضاع في إيران سيئة وأنه لا يريد أن يكون شريكا في هذا الانهيار. وجاءت تصريحات “نجاد”عشية الإعلان عن قائمة المرشحين التي اعتمدها مجلس صيانة الدستور بعد أن زاره في منزله الجنرال حسين نجات قائد قاعدة ثأر الله؛ لإبلاغه رفض أهليته لخوض الانتخابات الرئاسية، ومطالبته بالتعاون والصمت والمسايرة. ورغم التصريحات القوية التي أطلقها “نجاد” وملأت الدنيا ضجيجا ونقلها موقع “دولت بهار” الإيراني، حيث تنبأ أن المستقبل سيكون أسوأ من الحالي، وأن هناك “ضعف وخيانة”، متوقعا مشاركة متدنية في الانتخابات في ظل الأوضاع الحالية. وحذر “نجاد” في تصريحاته من تبعات داخلية ودولية ستؤدي إلى السقوط على الأرض ولا يمكن النهوض مرة أخرى، متهما أطرافا لم يذكرها بأنها تابعت بجدية رفض أهلية دخول الانتخابات.
وتجدر الإشارة إلى أن 592 مرشحا تقدموا بملفاتهم إلى مجلس صيانة الدستور الذي يحدد ويعتمد قبول المرشحين، والذي لم يعتمد سوى سبعة مرشحين فقط أقربهم وأقواهم للفوز بالمنصب هو إبراهيم رئيسي الذي وصفته الصحافة الإصلاحية في إيران بـ”المرشح الذي لا يملك أي منازع”.
في إيران.. أنت في دولة كهنوتية، قراراتها إلهية، تصدر من كاهن معبدها الذي لا يستطيع أحدا مخالفته ولا يجرؤ على الاستدارة عن محراب المعبد الذي يدور في فلكه كل العبدة، فانتخابات إيران تجرى في معبد ملاليها.