فاز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت يوم الجمعة الموافق 18 يونيو الجاري، ليصبح رئيسا للجمهورية الإسلامية في مشهد انتخابي وصفته تيارات المعارضة الإيرانية بأنها ضربة سياسية موجعة للنظام؛ حيث مقاطعة نسبة كبيرة من الناخبين للانتخابات بعد أن دعت تلك التيارات المعارضة (وعلى رأسها حركة مجاهدي خلق) جموع الإيرانيين إلى مقاطعة تلك الانتخابات التي يرونها لا تعدو أكثر من مسرحية هزلية؛ نظرا لنتيجتها المعروفة سلفا، واعتراضا على الأحوال الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعانيها الشعب الإيراني والانتهاك الصارخ بحق المعارضين.
لم يكن فوز “رئيسي” مفاجأة، وليس فقط متوقعا، بل كان محسوما سلفا بعد أن رفض مجلس قادة الثورة الإيرانية ملفات ترشح العديد من الشخصيات الإيرانية وعلى رأسهم الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وعلي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق، ولما لا و”رئيسي” هو الرجل المدلل والأقرب إلى قلب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، فرئيسي يحظى بثقة كبيرة لدى “خامنئي” الذي كان أستاذه في إحدى المدارس الدينية في مدينة مشهد.
وفي متابعة مشهد الانتخابات الرئاسية في إيران لوحظ عزوف كبير وخاصة في فئة الشباب اعتراضا على الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يعانيها الإيرانيون خلال العقود الأخيرة، كذلك اعتراضا على شخص المرشح الأبرز إبراهيم رئيسي، والمعروف سلفا أن تلك الانتخابات تم تفصيلها على مقاسه، فقد صوت 28.6 مليون مواطن إيراني من أجمالي 59.3 مليون مواطنا ممن لهم حق التصويت.
وبعد ساعات قليلة من إعلان فوز “رئيسي” برئاسة إيران أصدرت منظمة العفو الدولية (مقرها لندن) بيانا نددت فيه بفوز “رئيسي” مطالبة بخضوعه للتحقيق معه في جرائم ارتكبها بحق سياسيين إيرانيين ترقى إلى درجة “جرائم ضد الإنسانية” و”قمع عنيف لحقوق الإنسان”، وأبدت المنظمة تعجبها من وصول “رئيسي” إلى سدة الحكم بدلا من محاكمته. فقد اشتهر “رئيسي” في الوساط الشعبية الإيرانية” بـ”قاضي الموت”؛ كما تطلق عليه بعض التيارات المعارضة وصف “الجلاد”؛ نظرا لتاريخ طويل لممارساته في القضاء على سياسيين ومعارضين بالموت وتعذيبهم وارتكاب عمليات الإخفاء القسري بحقهم منذ كان معاونا للمدعي العام للمحكمة الثورية في العاصمة الإيرانية طهران عام 1988 وعضوا في لجنة عرفت بـ”لجنة الموت” والتي قامت بإعدام ثلاثين ألف سجين سياسي معارض وكذلك عمليات الإخفاء القسري، وظلت تلك القضية محل مطالبات من ذوي الضحايا والحركات المعارضة للتحقيق فيها والكشف عن مصير المختطفين وأماكن الجثث، إلا أن النظام الإيراني مازال متكتما حول مصير هؤلاء الضحايا وأماكن الجثث، بل ينفي حدوث تلك الجرائم من الأساس.
ونظرا لما يتمتع به “رئيسي” من قرب ومحبة خاصة لدى المرشد الأعلى علي خامنئي فقد أسند إليه عدة مناصب رفيعة في الدولة آخرها منصب الرئيس الأعلى للسلطة القضائية وهو ما مكن “رئيسي” بتنفيذ حملة قمع وحشية ضد المعارضين في إيران خلال العامين الأخيرين شملت إخفاء قسري وإعدامات في أعقاب الانتفاضات الشعبية التي انطلقت في نوفمبر 2019.
ومن المرتقب طبقا لتوقعات بعض الإيرانيين أن يتبوأ “رئيسي” منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية حال وفاة المرشد الحالي “خامنئي” الذي يعاني من المرض منذ عدة سنوات، فـرئيسي نائب “مجلس الخبراء” الذي يملك الصلاحية الكاملة في تعيين المرشد الأعلى، وهذا المنصب يزيد من فرص جعله المرشد الأعلى القادم بعد “خامنئي”. وتجدر الإشارة هنا أن “خامنئي” كان رئيسا لإيران قبل تعيينه في عام 1989 مرشدا أعلى للثورة الإسلامية بعد وفاة زعيمها آية الله الخميني.
وبعد مجئ “رئيسي” رئيسا لإيران، يبقى تساؤلا مهما، وهو كيف سيتعامل مع الخارج، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، وهو من أبرز المسؤولين الإيرانيين المدرجين على قوائم العقوبات الأوروبية لتورطه في ارتكاب انتهاكات حقوقية واسعة حفل بها تاريخه لأكثر من 30 عاما، فهو واحد من أشد غلاة المحافظين في إيران.
كما يتسائل البعض، كيف سيلقي كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل وصادر بحقه عقوبات من دول أوروبية، وكيف ستكون التعامل مع هذه الدول. أما عن الملف الأبرز الذي ينتظره هو الملف النووي الذي تستضيف العاصمة السويسرية جنيف مفاوضات إحياءه، إلا أن الخبراء أكدوا أن قرار الملف النووي بيد المرشد وليس لرئيس الدولة.
وداخليا، تنتظر “رئيسي” ملفات ضخمة أهمها الوضع الاقتصادي الذي تهاوى في السنوات الأخيرة وبدأ الشعب يوجه اللوم لنظامه على الأموال الطائلة التي يغدقها على وكلائه في الخارج في عدد من الدول العربية ودول أمريكا اللاتينية لبسط النفوذ الإيراني على المنطقة. وقد وعد “رئيسي” بمكافحة الفقر الذي خيم على معظم الشعب الإيراني.
إن “رئيسي” سيبقى الرجل الذي له سمعة سيئة مع غالبية الإيرانيين، فمجرد سماع إسمه ما عليهم وعائلات ضحاياه إلا أن تتذكر الموت ورائحته ورائحة الدم المنبعثة منه، فقد جاء رئيسا برائحة الدم.