تتجه الأنظار هذا الأسبوع إلى مدينة نيويورك، حيث من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة ثانية لمناقشة قضية سد النهضة، بطلب من مصر والسودان ورفض من إثيوبيا التي توشك على تنفيذ الملء الثاني لخزان السد، دون اتفاق مع القاهرة والخرطوم.
وكانت رئاسة مجلس الأمن الدولي قد أعلنت عن عقد جلسة يوم الخميس المقبل حول سد النهضة الإثيوبي بعد تلقيها طلبا من مصر والسودان بسبب تعنت أديس أبابا في التوصل لاتفاق بشأن السد، كما تقدمت القاهرة بخطاب رسمي تشكو فيه أثيوبيا وتعلن اعتراضها على اتخاذ أديس أبابا قراراً منفرداً للملء الثاني لخزان سد النهضة.
وفيما يتصاعد الخلاف والاتهامات بين الدول الثلاث، تمثل هذه الجلسة أملا ربما هو الأخير لحل سياسي للأزمة، بعد عشر أعوام من التفاوض دون التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث حول ملء وتشغيل السد الذي سيحجز خلفه عند اكتمال بنائه أكثر من 70 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل.
تطور إيجابي
في حديث مع وكالة “سبوتنيك” يقول نائب وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية علي الحفني إن: “موافقة مجلس الأمن على عقد جلسة ثانية لذات الموضوع يعد تطورا إيجابيا في حد ذاته، رغم أن المجلس كان واضحا منذ الجلسة الأولى أنه يحاول النأي بنفسه عن الانخراط في النزاعات التي تتعلق بالأنهار الدولية”.
وأضاف نائب وزير الخارجية المصري الأسبق “في جلسة المجلس في العام الماضي، تم التوافق على إحالة الموضوع للمنظمة القارية التي تنتمي إليها كل من مصر والسودان وإثيوبيا (الاتحاد الأفريقي)، وهذه المنظمة كان من المفترض أن تعود لمجلس الأمن، وترفع تقريرها لتحيطه علما بنتيجة المفاوضات التي أشرفت عليها، لكن الاتحاد الأفريقي لم يحط مجلس الأمن بنتيجة المفاوضات، أملا في استمرار آلية التفاوض تحت إشرافه”.
وتابع الحفني: “أصبح من العبث الاستمرار في المفاوضات في ظل هذه الظروف، وحسب ما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل يومين لا يمكننا الاستمرار في هذه المفاوضات إلى ما لا نهاية، ولا يمكننا القبول بفرض الأمر الواقع، خاصة أن ما نطلبه ليس كثيرا، ما نطلبه هو إطار قانوني ينظم عملية الملء والتشغيل”.
وأوضح: “تحرك السودان ومصر مبنى على فكرة أنه لو لم تتدخل المنظمة الدولية، ولم يتدخل المجتمع الدولي في سبيل التوصل لاتفاق فإن هذا ينذر بمزيد من التوتر والتصعيد وعواقب لا نأملها جميعا في هذه المنطقة، عواقب يمكن تؤثر على السلم والأمن في المنطقة، وبالتالي مجلس الأمن سيكون مضطرا إذا حدث تصعيد أن يتدخل، لأن مهمته الرئيسية هي السلم والأمن الدولي”. وحول النتائج المحتملة لجلسة مجلس الأمن، قال الحفني: “مجلس الأمن سيناقش الأمر على المستوى الفني يوم الثلاثاء وعلى المستوى السياسي يوم الخميس وهناك ثلاث أطروحات، إما أن يصدر قرار أو بيان رئاسي وهذا أضعف، أو بيان صحافي وهذا أضعف بكثير”.
وأضاف الحفني: ” نأمل خلال هذه الجلسة أن يكون هناك إدراك لمتطلبات دول المصب التي ستتأثر بشدة بفعل هذا الأمر الواقع الذي سعت وتسعى إثيوبيا لفرضه على دولة المصب، دون اعتبار لمصالحهما”.
وأكد “بالنسبة لنا في مصر هذه القضية قضية وجودية ترتبط بالبشر، وستؤثر بشكل كبير على الأمن المائي لجمهورية مصر العربية، وهذا موضوع لن نتهاون فيه، ولا نملك رفاهية التهاون فيه، وإنما في نفس الوقت نسعى لطرق كل الأبواب والسبل لحل هذا الأمر بشكل سياسي، وإذا وجدنا انسدادا في أفق آلية التفاوض التي يشرف عليها الاتحاد الأفريقي عدنا مرة أخرى إلى مجلس الأمن، ونأمل أن ما يخرج من مجلس الأمن يكون مرضيا، وتلتزم به الأطراف الثلاثة”.
وشدد الدبلوماسي المصري على أن: “إثيوبيا تعاملت مع هذا الأمر باستخفاف”، وقال “كافة الكلام العبثي الذي نسمعه من الجانب الأثيوبي عن حرصهم على أن لا يحدث ضرر غير صحيح لأن الضرر واقع، وهو ضرر بالغ، لأن أثيوبيا أخطأت منذ البداية بعدم التشاور مع دول المصب، والاتفاقات الدولية تفرض على دول المنبع التي تريد بناء سدود أن تتشاور وتنسق مع دول المصب لأنها هي من تتأثر من نقص المياه، ونحن نرى الوضع في سوريا والعراق كيف أصبح مأساوي”.
في السياق ذاته، يستبعد الخبير المصري في الشأن الأفريقي، هاني رسلان أن يصدر المجلس أي قرار أو بيان مؤثر بشأن هذه القضية في جلسته المقبلة، حيث يقول في تصريح لوكالة “سبوتنيك” إن: “رئيس مجلس الأمن صرح أنه لا يملك سوى دعوة الأطراف للتعبير عن مخاوفهم ثم دعوتهم لاستئناف المفاوضات لمحاولة الوصول إلى حل سلمي، وبالتالي دور المجلس هنا سيكون منصة ذات طبيعة سياسية ودبلوماسية وإعلامية، لكن لن ينتج عنه قرارات تؤثر في مسار الأزمة”.
وأضاف رسلان: “الهدف المصري من الدعوة لعقد الاجتماع وتعزيز طلب السودان هو إظهار التعنت الإثيوبي أمام العالم، فمصر أرسلت لمجلس الأمن ملفا كاملا مكون من 95 صفحة، يشمل كل مراحل المفاوضات وموقف مصر منها، وما أبدته من مرونة وما بذلته من جهود في مقابل التعنت الإثيوبي، ورسالة وزير الخارجية سامح شكري الأخيرة تتضمن هذا، فهو أعلن أنه طلب من المجلس أن يحث أثيوبيا على الوصول إلى اتفاق دائم لكنه قال إن الموقف الحالي يهدد باحتكاك دولي، والاحتكاك الدولي هنا تعبير دبلوماسي يعني تحرك عسكري بين الأطراف، لأن مصر صبرها نفذ، ولن تقبل أن تقوم أثيوبيا بفرض أمر واقع على مصر يهدد حياة المصريين”. الخيار العسكري سيبقى قائما
وحول احتمالية تضرر السودان من العمل العسكري في حالة اللجوء إليه، خاصة مع الملء الثاني للسد، يوضح رسلان أن “الضرر على السودان كان سيحدث لو تم الملء الثاني كما خططت أثيوبيا بـ 13 ونصف مليار متر مكعب، لكن إثيوبيا فشلت في إكمال التعلية المطلوبة، وبالتالي الملء الثاني لن يتجاوز 3 – 4 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى الكمية التي كانت مخزنة قبل ذلك، وهي لا تتجاوز 4 مليارات متر مكعب، وبالتالي سيبقى الخيار العسكري قائما حتى الفيضان القادم”.
وشدد رسلان على أن “التفاوض وصل بالفعل تحت قيادة الاتحاد الأفريقي إلى طريق مسدود، مضى عام كامل ولم يحدث تقدم بل حدث تراجع، حين أقدمت إثيوبيا على ملء آحادي لخزان السد تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وها هو الملء الثاني سوف يحدث بشكل منفرد أيضا تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، فهناك تقهقر في القضية وليس تقدم”.
ويري الخبير في الشأن الأفريقي أن “الطريق الآن أصبح مسدودا”، وقال إن “الأطراف الدولية التي ترى خطورة التحرك العسكري مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية عليها أن تقدم لمصر البديل، لا يمكن أن تقبل مصر بإيذاء نفسها لأن الدول الغربية وواشنطن تخشى على مصير أثيوبيا”.
وتابع: “على هذه الدول إقناع أثيوبيا أن تلتزم بالقانون الدولي، وهذا كل المطلوب منهم”.
يذكر أن وزير الخارجية المصري سامح شكري قد توجه إلى نيويورك أمس الأحد، للتحضير للجلسة المقررة لمجلس الأمن الدولي حول أزمة سد النهضة،
وعقد مجلس الأمن جلسة حول هذه الأزمة العام الماضي، إلا انه أحال الموضوع إلى الاتحاد الأفريقي الذي أشرف على عشرات الجلسات للتفاوض بدون التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة.
ورغم التأكيد المصري والسوداني بالالتزام بالطرق السلمية لحل النزاع، إلا أن الحديث عن حل عسكري يتعالى بين الحين والآخر، خاصة مع تعقد الأزمة. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، لوح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك؛ أن مصر بإمكانها تفجير سد النهضة، في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
وفي نهاية آذار/ مارس الماضي، وقبيل جولة جديدة للتفاوض حول سد النهضة عقدت في العاصمة الكونغولية كينشاسا؛ حذر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أن عدم حل قضية سد النهضة، سيؤثر على أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
وقبل يومين قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن “الدولة المصرية تقدر وتتفهم متطلبات التنمية في إثيوبيا ولكن مع ضرورة ألا تكون التنمية على حساب الآخرين”، مؤكدا أن “مصر تسعى للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم طبقا للأعراف والثوابت الدولية ولا يجوز أن يستمر التفاوض مع إثيوبيا إلى ما لا نهاية”.