>> المصارف العراقية واجهت تحديات هائلة بوصول الديون المتعثرة لأكثر من 6 تريليون دولار وانخفاض الإيرادات وقصور التشريعات وعدم وضوح السياسات المالية
>> البنك المركزي العراقي لعب دورا مهما لإصلاح القطاع المصرفي لاستمرار نشاطه وثقة الجمهور
>> المصارف العراقية بحاجة ماسة للتحول من دور الصيرفة إلى الدور التنموي
>> تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة يدعم تحقيق التنمية المستدامة وخدمة الشعب العراقي
>> التغيير في المرحلة القادمة يلزمه تعديل خارطة موارد الدخل القومي بتخفيض الاعتماد على عوائد النفط كمورد رئيسي
يمر الاقتصاد العراقي بعدد من التحديات الداخلية والخارجية نظرا لتقلبات الأوضاع السياسية والاقتصادية المؤثرة على مجرياته. وبعد انتهاء عام 2021 واستقبالنا لعام 2022 أجرينا هذا الحوار مع الخبير الاقتصادي الدكتور سمير النصيري، المستشار الاقتصادي والمصرفي لرابطة المصارف الخاصة العراقية وعضو اللجنة الاستشارية المصرفية في البنك المركزي العراقي وعضو الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، في محاولة لاستشراف وضع الاقتصاد العراقي والقطاع المصرفي في السنوات المقبلة وبشكل خاص في عام 2022.
•في نهاية عام 2021 وبالنظر للظروف الخاصة والجديدة التي يمر بها العراق بسبب انتظار تشكيل الحكومة الجديدة بعد المصادقة على نتأئج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية.. كيف ترى أوضاع القطاع المصرفي باعتباره الحلقة الأساسية في الاقتصاد الوطني في ظل تلك الظروف؟
يجب التوضيح بالتحليل وتقييم نتائج الأعمال الأولية للمصارف في 2021 بأنها واجهت تحديات بيئة العمل غير المستقرة وبلوغ الديون المتعثرة أكثر من(6) تريليون دينار وهبوط أسعار الأسهم المتداولة في سوق العراق للأوراق المالية بنسبة (80%) وانخفاض السيولة لبعض المصارف الى الحدود الدنيا المقررة من البنك المركزي وانخفاض الإيرادات المتحققة والودائع لبعض المصارف وتأثر البعض الآخر بتأخر إقرار موازنة 2021 مما اثر على الجانب الاستثماري للمشاريع التنموية والقصور في التشريعات وعدم وضوح السياسات المالية ومحددات التعليمات التي تنظم العملية الاقتصادية والقوانين والتعليمات الضريبية والجمركية.
•ما دور البنك المركزي العراقي في مواجهة تلك التحديات؟
كان للبنك المركزي العراقي دورا مهما لإصلاح القطاع المصرفي ومساعدته على تجاوز تلك التحديات من خلال إجراءاته ومبادراته التمويلية في تحفيز الاقتصاد ودعم المصارف. وان مصارفنا أكدت رصانتها وعززت ثقة الجمهور بها خلال عام 2021 واستمرار نشاطها وعملها اليومي بالرغم من الصعوبات الإدارية واللوجستية والفنية مما ساهم مساهمة فاعلة في تنفيذ سياسة البنك المركزي في تحقيق الاستقرار في السوق المصرفي وإدامة العمليات المصرفية الداخلية والخارجية مما عزز من الثقة الدولية بتعاملاتنا المصرفية الدولية ويظهر ذلك جليا عند مقارنة حال مصارفنا مع دول أخرى تشهد نفس الظروف كما حدث في لبنان وسوريا وايران على سبيل المثال وهذا يؤكد أن مصارفنا تسير بالاتجاة السليم.
لذلك يتطلب قيامها بانجاز خططها لعام 2022 في ضوء تحليل نتائج أعمالها ونشاطها في ضوء الظروف الحالية والتوقعات في 2022 بعد تشكيل الحكومة الجديدة ومتطلبات الوضع الجديد ووفقا لأهداف استراتيجية البنك المركزي الثانية للسنوات (2021‐2023) الأساسية والفرعية مع التركيز على المساهمة في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية المصرفية التي خطط لها ووضعها وحدد أهدافها البنك المركزي وهي بحدود 15 هدفا رئيسيا و 75 هدفا فرعيا (تقني وتمويلي وإداري وتطويري) . وهنا نؤكد على ضرورة التوصل الى سياسات واجراءات وفقا لحاجاتها الفعلية في استدامة تقديمها لمنتجاتها المصرفية وأن يتم انجاز إعداد هذه الخطط بالتنسيق مع الدوائر الاختصاصية في البنك المركزي بالتعاون مع رابطة المصارف الخاصة العراقية ووضع السياسات والإجراءات لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه المصارف.
•ماذا تحتاج المصارف العراقية لإنجاز خطتها لعام 2022؟
ان انجاز المصارف لخططها لعام 2022 يتطلب منها وتحت إشراف ورقابة البنك المركزي العمل بخطوات سريعة وهي الانتقال بالقطاع المصرفي العراقي إلى قطاع اقتصادي رصين ومتطور وملتزم بالأنظمة والقواعد والمعايير الدولية للامتثال ومكافحة غسل الأموال والإبلاغ المالي وإدارة المخاطر وبالتالي الانتقال من دور الصيرفة إلى الدور التنموي.
• إلى أي مدى تأثير المشروعات الصغيرة والمتوسطة في نمو وازدهار الاقتصاد العراقي؟
يتم ذلك عن طريق دعم تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك التنموية الكبيرة والتي يتحقق من خلالها بناء اقتصاد وطني متين وتنمية مستدامة تخدم في النهاية الشعب العراقي وتطلعاته لحياة أفضل. وهذا يتطلب العمل في مجالات تطوير البنية الهيكلية للقطاع المصرفي إضافة إلى قيامها بالاهتمام بتطبيق معايير الاستقرار المالي وهي مؤشرات السلامة المالية كمعدل كفاية رأس المال، ونسبة السيولة، ونسبة الربحية كنسبة الربح وصافي الربح إلى رأس المال، ونسبة العائد على الموجودات، ونسبة العائد على حقوق المساهمين، ونسبة كلفة النشاط والرافعة المالية، ونسبة توظيف الأموال، إضافة إلى اعتماد مؤشرات قياس كفاءة الأداء واستحداث وحدات للإحصاء والدراسات والتحليل والتنبؤ المالي لتأشير الانحرافات الشهرية والفصلية والسنوية في الخطط المرسومة .وهذا يحتاج إلى قيام الحكومة والبنك المركزي بدعم المصارف وتمكينها من الاستمرار بالنشاط المصرفي وان يتم تنفيذ قرارات مجس الوزراء ولجنة الشؤون الاقتصادية ذات الصلة بتنشيط العمل المصرفي خصوصا في مجال الائتمان والتمويل المصرفي والقروض والتسهيلات المصرفية وإعطاء دور أساسي للمصارف الخاصة وإشراكها في صناعة القرارات الاقتصادية المركزية.
•وماذا عن تأثير متغيرات الاقتصاد العالمي على الاقتصاد العراقي؟
المتابع للاقتصاد العراقي يجده منذ الربع الأول من عام 2020 وقد واجه عددا من التحديات وأزمات اقتصادية ومالية خانقة بسبب المتغيرات في الاقتصاد العالمي وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي لظروف الصراع الأمريكي الصيني وجائحة كورونا وهبوط أسعار النفط العالمية في عام 2020 ووصوله إلى نسب انخفاض تجاوزت 70% والركود الاقتصادي وتضرر اغلب دول العالم بسبب تلك التداعيات والتي كانت لها تأثيراتها على الاقتصاد العراقي.
•برؤيتكم، كيف ترى آثار تلك المتغيرات وانعكاساتها على الاقتصاد العراقي في العام 2022؟
في تقديري، أتوقع حدوث بعض الانعكاسات للاقتصاد العالمي على الاقتصاد العراقي في عام 2022 أوجزها فيما يلي:
1‐ سوف لا يتجاوز معدل النمو الاقتصادي عن 3% وأن نسبة التضخم السنوي سيتجاوز 5% وسيحافظ الاحتياطي النقدي الأجنبي على مستوى لا يزيد عن 65 مليار دولار وستكون نسبة مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي بحدود 60% ويشكل بحدود 91% من إيرادات الموازنة العامة وستشكل المديونية الخارجية والداخلية بنسبة 50% من الناتج المحلي، أما نسبة نمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بحدود 3%
2‐ بنظرة تحليلية ثاقبة للواقع الاقتصادي الراهن إننا نحتاج وبشكل ملح إلى تغيير اقتصادي جذري شامل يعتمد المحاور الأساسية التالية:
* إعادة تغيير خارطة موارد الدخل القومي بتخفيض الاعتماد على النفط كمورد رئيسي بتفعيل الموارد الأخرى للوصول بها إلى نسبة 30% خلال عشرة سنوات قادمة من مجموع الموارد.
*التغيير بشكل جذري وشامل للسياسات الزراعية والصناعية والتجارية والنفطية والمائية باعتماد الموارد المحلية في تأمين الأمن الغذائي وتشجيع وحماية ودعم المنتج المحلي العربي والعراقي ووضع البرامج والاستراتيجيات في حماية المستهلك والتأكيد على التكامل الاقتصادي العربي.
*دعم وتطوير وتحفيز القطاع الخاص والاستفادة من قدراته وإمكاناته ورؤوس أمواله واستثماراته في بناء الاقتصاد الوطني وإشراكه في صناعة القرارات الاقتصادية وإدارة الاقتصاد.
*وضع منهجية جديدة لتجاوز تحديات عدم الاستقرار في النظام المالي والنظام النقدي ويعني ذلك وضع الخطط التنسيقية والمتوازنة لتجاوز تحديات السياسة النقدية وتحديات العجز في الإيراد غير النفطي والعجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري و وزيادة نسبة مساهمة القطاعات الإنتاجية (الاقتصاد الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي).