أحيت، عصر اليوم، أُسرة القارئ الراحل الشيخ أبو العينين شعيشع، نقيب قُراء مصر السابق، وآخر جيل عمالقة قُراء القرآن الكريم، ذكراه الحادية عشر، والتى حلت اليوم الخميس، وذلك بمشاركة عدد من أهالي ومحبي القارئ الراحل في مسقط رأسه بمدينة بيلا في محافظة كفر الشيخ.
وتوافد العشرات من مُحبى «شعيشع» على منزل هشام صبح، حفيد الشيخ «نجل ابنة شقيقته»، فى مدينة بيلا، بمحافظة كفر الشيخ، مسقط رأس القارئ الراحل، للمُشاركة فى إحياء ذكراه الحادية عشر.
وحرص الزوار من مُحبى الشيخ أبو العينين شعيشع على التقاط الصور التذكارية مع أُسرة الشيخ، وسط قراءة آيات من الذكر الحكيم، لعدد من القراء، فضلاً عن الاستماع للقرآن الكريم بصوت الشيخ شعيشع، والتحدث عن حياة القارئ الراحل الذى طاف الأرض، وملأ الدنيا قرآناً.
جاء ذلك، بحضور جمال ساطور، رئيس مركز ومدينة بيلا نائباً عن اللواء جمال نور الدين، محافظ كفر الشيخ، ونواب رئيس المركز والمدينة، وعدد من أئمة وزارة الأوقاف، وقُراء القرآن الكريم، وبعض القيادات التنفيذية والشعبية، والصحفيين والإعلاميين.
وقال محمد عوض اليمانى الشيخ، حفيد الشيخ أبو العينين شعيشع «نجل ابنة شقيقته»، إن الشيخ الراحل كان الأخ رقم 12 فى إخوته ووُلد فى عام 1922 فى مدينة بيلا التابعة لمحافظة كفر الشيخ، وكان له شقيق أكبر منه وهو الشيخ أحمد شعيشع وكان قارئاً للقرآن هو الآخر، وهو الذى حبب قراءة القرآن لأخيه أبو العينين، لافتاً أن الشيخ الراحل أثناء طفولته كان يحب سماع الشيوخ الذى يقرأون فى المآتم فى بيلا لدرجة أنه كان ينام تحت المقعد الذى يقرأ عليه الشيخ القرآن، وكان يعرفه الناس فيرجعونه إلى منزله بعد انتهاء المآتم.
وأوضح «اليمانى»، أن جدّه كان يعتبر الشيخ الراحل محمد رفعت أستاذه لدرجة أنه سجل بعض الآيات بصوته بدلاً من التسجيلات التى تلفت وقام بذلك كله دون أى مُقابل، وتابع: «الشيخ محمد رفعت كان بيقوله أنا بشوف فيك شبابى وبشوف فيك نفسى».
واستطرد «اليمانى»: «الشيخ أبو العينين كان من ضمن المُساهمين فى ثورة 23 يوليو وكان مُحب جداً للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ورجال ثورة 23 يوليو، والرئيس عبدالناصر جيه سنة 1954 فى بيلا لزيارة ضابط معه يُدعى البكباشى محمد على المنشاوى إللى كان من ضمن مجموعة الضباط الأحرار والشيخ أبو العينين أحيا الاحتفال ساعتها فى سرايا العُمدة العطافى ببيلا».
وأشار «اليمانى»، إلى أنه قد تم الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة على رحيل الشيخ أبو العينين شعيشع العام الماضى فى منزل نجل شقيقه الراحل مصطفى أحمد شعيشع والذى تُوفى فى شهر أغسطس من العام الماضى، مُتابعاً: «كُنا كل سنة بنتجمع عند خالى مصطفى الله يرحمه وبعد ما تُوفى قررنا إننا نُحيي ذكرى وفاة جدى الشيخ أبو العينين كل سنة فى بيت واحد من أحفاده والسنادى أحيينا الذكرى فى بيتنا».
ومن جانبه، أوضح هشام صبح، حفيد الشيخ أبو العينين شعيشع «نجل ابنة شقيقته»، أن الشيخ كان معروفاً بأنه قارئ الملك حيث كان يُحيى ليالى رمضان فى قصر عابدين وكان يُصاحب الملك فى أماكن كثيرة، مشيراً إلى أن الملك فاروق طلب من شعيشع أن يذهب معه إلى فلسطين فى المسجد الأقصى ولكن شقيقة شعيشع كانت مريضة فرفض فاروق وخصص له هاتفاً فى فلسطين لكى يستطيع الاطمئنان على أخته فى القاهرة، لافتاً إلى أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان يأخذ معه الشيخ فى افتتاحات المشاريع، كما أن الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك قد كرمه ومنحه وسام فى ثمانينيات القرن الماضى.
وذكر «صبح»، أن جدّه كان عاشقاً لآلة العود والعزف عليه، وظهر فى بعض الأفلام عن طريق المخرج الراحل حسن الإمام الذى كان صديق له، مُبيناً أن جدّه كان شيخاً وسطياً وغير مُتشدد ولا يفرض رأيه على أُسرته.
وأضاف «صبح»، إن جدّه الشيخ أبو العينين شعيشع كان مُتواضعاً إلى أبعد درجة وكان حينما يزور أسرته فى مسقط رأسه بمدينة بيلا بكفر الشيخ كان يستقبل جميع مُحبيه فى منزل نجل شقيقه الراحل مصطفى أحمد شعيشع، كما أنه كان مُهتماً بأُسرته وأحفاده وحتى أبناء أحفاده، وأنه كان لا يترك أى مناسبة إلا ويُشارك بها، مطالباً بتكريم جدّه الراحل وإطلاق اسمه على ميدان عام بمحافظة كفر الشيخ أو شارع فى مسقط رأسه بمدينة بيلا وأيضاً إطلاق اسمه على المعهد الدينى الأزهرى ببيلا.
وأكد جمال ساطور، رئيس مركز ومدينة بيلا، إن القارئ الشيخ أبو العينين شعيشع، رحمه الله، يُعد أحد العظماء الذين أنجبتهم محافظة كفر الشيخ، لافتاً أن المحافظة تفتخر بالشيخ أبو العينين، وأنه سيتم بحث طلب أُسرته بإطلاق اسم الشيخ الراحل على شارع وميدان فى ومدينة بيلا، تكريماً له، ولمسيرته الحافلة بالعطاء، وخدمة كتاب الله.
وأوضح «ساطور»، أن اللواء جمال نور الدين، محافظ كفر الشيخ، يعرف جيداً قدر القارئ الشيخ أبو العينين شعيشع، ولذلك أعلن عن إجراء مُسابقة فى القرآن الكريم فى شهر رمضان من العام الماضى، وأطلق عليها مُسابقة «الشيخ أبو العينين شعيشع»، وشهدت إقبالاً عدد كبيراً من الأطفال والشباب والفتيات من حفظة القرآن الكريم، وأصحاب الأصوات الذهبية فى الإنشاد والابتهالات والتواشيح.
وصرح الكاتب والباحث مصطفى عنز، أحد المُهتمين بجمع تراث الشيخ أبو العينين شعيشع، أنه يتم حالياً التنسيق مع الأُسرة لجمع المُقتنيات الخاصة بالشيخ الراحل، تمهيداً لعرضها فى متحف يضم ملابس الشيخ الراحل، والجوائز التى حصل عليها من نياشين وأوسمة، والأشرطة النادرة له، وصوره القديمة، وكافة مُتعلقاته الشخصية، مُشيراً إلى أنه آن الأوان أن يحصل الشيخ أبو العينين على المكانة التى يستحقها، خاصةً أن الشيخ تُوفى بعد اندلاع ثورة 25 يناير بأشهر قليلة، وحضر جنازته عشرات القُراء، ولكن لم يحصل على حقه الذى ينبغى فى الاحتفاء به وتأبينه بسبب تداعيات الثورة وما تلاها من أحداث.
وأكد «عنز»، أنه يتم حالياً أيضاً التجهيز للاحتفال بمئوية الشيخ أبو العينين شعيشع والتى ستحل يوم 12 أغسطس المُقبل، وسيتم العمل على تنظيم احتفالية كُبرى بالتعاون مع محافظة كفر الشيخ، يُشارك فيها العديد من أبناء المحافظة والشخصيات العامة ومُحبى الشيخ الراحل من جميع محافظات مصر والدول العربية والإسلامية، للاحتفال بهذا العلم القرآنى الكبير الذى يعتز به المصريون جميعاً.
والشيخ أبو العينين شعيشع، يُعد واحداً من أعلام دولة التلاوة في مصر والعالم الإسلامي، حيث وُلد في مدينة بيلا، بمحافظة كفر الشيخ، فى 12 أغسطس من عام 1922م، وهو الابن الثانى عشر لأبيه، والتحق بكُتاب المدينة، وحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ «يوسف شتا»، رحمه الله، وهو لم يتجاوز العاشرة من عُمره، وذاع صيته كقارئ للقرآن عام 1936م، وهو فى الرابعة عشر من عُمره، وذلك بعد مُشاركته بالتلاوة فى حفل أُقيم بمدينة المنصورة فى ذلك العام، والتى تبعدُ عن مدينة بيلا بنحو 27 كيلو متراً.
دخل «شعيشع»، الإذاعة المصرية عام 1939م، مُتأثراً بالشيخ محمد رفعت، حيث استعانت به الإذاعة لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات «رفعت»، ولكنه اتخذ لنفسه أسلوباً فريداً فى التلاوة بدءاً من مُنتصف الأربعينيات، وكان أول قارئ مصرى يقرأ القرآن الكريم بالمسجد الأقصى المبارك.
عام 1969م عُين «شعيشع» قارئاً لمسجد عُمر مكرم بميدان التحرير، وسط القاهرة، ثم قارئاً لمسجد السيدة زينب عام 1992م، وناضل كثيراً فى بداية السبعينات من القرن الماضى لإنشاء نقابة القُراء مع كبار قراء القرآن الكريم فى مصر حينذاك، وقد انتُخب نقيباً لنقابة القراء منذ عام 1988م، خلفاً للقارئ الراحل الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، وظل نقيباً لها حتى وفاته.
كما عُين «شعيشع» عضواً بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعميداً للمعهد الدولى لتحفيظ القرآن الكريم، وعضواً للجنة اختبار القراء بالإذاعة والتليفزيون، وعضواً باللجنة العليا للقرآن الكريم بوزارة الأوقاف، وعضواً بلجنة عمارة المسجد بالقاهرة، وحصل على وسام الرافدين من العراق، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الاستحقاق من سوريا، وفلسطين، وأوسمة من تركيا، والصومال، وباكستان، والإمارات العربية المتحدة، وبعض الدول الإسلامية.
تُوفى «شعيشع»، فى 23 يونيو من عام 2011م، عن عُمر يُناهز الـ88 عاماً، قضى خلالها رحلة عامرة فى تلاوة القرآن الكريم فى مشارق الأرض ومغاربها، ودُفن فى المقابر المُجاورة لكلية البنات بجامعة الأزهر بالقاهرة، وصُلى عليه صلاة الغائب فى مسقط رأسه بمسجد «أبو غنام»، أحد أكبر مساجد مدينة بيلا، وعدد من مساجد المدينة، وكان ذلك يوم الجمعة المُوافق 24 يونيو، وخُصصت خطبة الجمعة لذكر مناقبه ومآثره.
على الرغم من تلك الرحلة الإيمانية، العطرة بتلاوة القرآن الكريم، لم يتم تكريم الشيخ أبو العينين شعيشع حتى الآن، ولو بتسمية معهد دينى أو مدرسة أو شارع أو ميدان على اسمه بمسقط رأسه، فى مدينة بيلا، بمحافظة كفر الشيخ.