تترقب أنظار العالم، وفي القلب منها الشعوب العربية، الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة العربية في منتصف شهر يوليو المقبل والتي تستمر أربعة أيام.
وطبقا للإعلان الرسمي للبيت الأبيض عن الزيارة وجدولها يتوجه “بايدن” في أولى محطاته إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، ثم يزور الضفة الغربية في فلسطين، وأخيرا يتجه إلى المملكة العربية السعودية وهي المحطة الأهم في الزيارة، حيث يتخللها مباحثات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. وتنطلق في اليوم الأخير قمة تجمع بين العاهل السعودي ونظيره الأمريكي وقادة دول مجلس التعاون الخليجي بمشاركة قادة مصر والعراق والأردن، والذين يحضرون بدعوة من الملك سلمان.
ولعل ما يلفت الانتباه لهذه الزيارة والقمة المصاحبة هو تغير موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارة بلاده من دول المنطقة، وعلى وجه الخصوص مصر والسعودية، فقد كان مبدأه وتصريحاته أثناء حملته الانتخابية قبل عامين تحمل العداء لكلا البلدين فيما يتعلق بقضايا الحريات وحقوق الإنسان، وتزايدت على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا في الثاني من أكتوبر عام 2018، وأراد “بايدن” أن يجدد التلميح بضلوع مسؤولين في النظام السعودي بمقتل “خاشقجي”، وبناء على هذا المبدأ قرر “بايدن” بأن التعامل الرسمي سيكون مع الملك سلمان دون أن يكون هناك أي اتصال مع ولي عهده الأمير محمد بن سلمان. وبحسب المعلومات، فإن “بايدن” تراجع عن كل هذه المبادئ، وسيجتمع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان طبقا لجدول الزيارة المقترح.
أما من ناحية مصر، فكان معروف وجه الارتباط الداعم من قبل “بايدن” لتنظيم الإخوان المجابه للدولة المصرية، وكان واضحا مدى السعادة لدى التنظيم الإخواني بقدوم “بايدن” رئيسا لأمريكا. أما الأمر الثاني الملفت للانتباه هو توقيت الزيارة المواكبة للحرب الروسية الأوكرانية التي خلفت ورائها أكبر أزمة اقتصادية وغذائية يشهدها العالم. وتجدر الإشارة إلى أن “بايدن” في كل مناسبة كان يؤكد أنه لن يغير موقفه وسياساته حيال بلدان الشرق الأوسط، مستكملا النهج الجديد للإدارة الأمريكية في ابتعادها عن تلك المنطقة.
ولكن ماذا عن الأسباب التي دفعت أمريكا إلى العودة مجددا إلى المنطقة للبحث عن مصالحها وفي هذا التوقيت تحديدا، رغم مضي عام ونصف العام على تولي “بايدن” رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. وماذا سيدور في القمة المرتقبة وما يطلبه من مصر والسعودية تحديدا؟
معلوم للكافة أن أمريكا وراء الأزمة الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وهي من شجعت أوكرانيا وأغرتها ومعها الدول الأوروبية بمساندتها في مواجهة روسيا وإمدادها بالمال والسلاح، وعند الهجوم الروسي وجدت أوكرانيا بمفردها، واتضح أن وعود أمريكا وأوروبا زائفة، وبعد الحرب ارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل جنوني، وانخفضت قيمة العملات العالمية أمام الدولار الأمريكي، كما ارتفعت أسعار النفط عالميا بعد أن قررت أمريكا مقاطعة النفط والغاز الروسيين، وكانت أمريكا على أمل أن تستجيب السعودية (أحد أكبر منتجي النفط في العالم) في زيادة إنتاجها النفطي للحفاظ على استقرار النفط، إلا أن السعودية لم تستجب للطلب الأمريكي، كما لم تصدر أي إدانة رسمية من السعودية بشأن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وقد فسر معظم المحللون المواقف السعودية وانفتاحها على كل من روسيا والصين بأنها رد فعل على حالة الفتور التي شهدتها العلاقات السعودية الأمريكية في الفترة الأخيرة.
واليوم، يرى المحللون أن “بايدن” جاء لتصويب اتجاه البوصلة الأمريكية نحو منطقة الشرق الأوسط من جديد، خاصة في ظل العلاقات التي تتحسن بين كل من روسيا والصين مع مصر والسعودية، وأن روسيا أصبح لها موطئ قدم في المنطقة يمكنها من مزاحمة المصالح الأمريكية والسيطرة المنفردة، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تعيد حساباتها في استعادة العلاقات الاستراتيجية بين جناحي القوة في المنطقة (مصر والسعودية).
وطبقا لمخطط الزيارة يتضح أن الملفات الرئيسية التي ينوي “بايدن” بحثها مع القادة العرب هو ما يتعلق بأمن إسرائيل، وربما تكون المطالب حول كيان جديد يضم دولا عربية ومعها إسرائيل بهدف حماية الأخيرة في ظل العلاقات العربية التي ظهرت مؤخرا مع الجانب الإسرائيلي طبقا للاتفاق الإبراهيمي، وهو ما ظهر على السطح من كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة المغربية.
وفي مطلب ذات صلة بحماية إسرائيل سيكون الملف النووي الإيراني حاضرا من زاوية أنه في حال الوصول إلى طريق مسدود مع إيران بشأن برنامجها النووي، سيكون مطلبا بتكوين تحالف عسكري يوفر الحماية اللازمة من التهديدات الإيرانية، وهنا إشارة واضحة إلى السعودية.
وبالطبع ستكون القضية الفلسطينية حاضرة في محاولة لإحياء مفاوضات السلام (المتجمدة) بين فلسطين والجانب الإسرائيلي، وملف إنهاء الحرب في اليمن. يبقى أن الهدف الرئيسي هو محاولة استقطاب دول المنطقة مرة أخرى إلى الحاضنة الأمريكية.. ولكن إلى أي مدى سينجح “بايدن” في ذلك؟
إن لقاء القمة الأخير في مدينة شرم الشيخ بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وما أعقبه من لقاء الرئيس السيسي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قبل أيام، ولقاء “بن سلمان” بعدها بالعاهل الأردني ليؤكد دلالة مهمة أن هناك تحركات تقودها مصر والسعودية قبل انعقاد القمة العربية الأمريكية التي تستضيفها “المملكة السعودية” منتصف يوليو المقبل استعدادا للرد على المطالب الأمريكية والمتوقع أنها ستمثل ضغوطا معروفة مسبقا، وهو ما يجعل تبني مصر والسعودية موقفا موحدا؛ لتفويت الفرصة على “الطرف الأمريكي” بإملاء شروطه حول طبيعة العلاقة مع روسيا، والتعاطي مع تبعات الأزمة الأوكرانية.
وهنا تتجه الدولة المصرية برؤيتها الخاصة نحو فضاء سياستها الخارجية بما يحقق مصالحها ندا بند مع كافة الدول، وأنها لن ترضخ لأي إملاءات خارجية.
مع كل الأطروحات والطموحات الأمريكية والأهداف المرجوة من قمة الرياض.. هل ستنجح أمريكا في تحقيقها في الوضع الذي يرسم فيه العالم خريطة جديدة لمواطن القوة والنفوذ لتتعدد أقطاب هذه القوة؟ وهل ستترك كل من روسيا والصين الأهداف الأمريكية تتحقق دون عائق؟.. أسئلة تجيب عليها نتائج القمة المقبلة بين القادة العرب والقطب الأمريكي.