لم تكن ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ثورة ضد غلاء الأسعار، أو الحريات العامة، أو نظام سياسي اختلف معه الشعب في مواقفه، ولكنها كانت ثورة ضد أفكار خاصة بجماعة لها عقيدتها الخاصة دينيا وسياسيا واجتماعيا، مما ولد أزمات ومواقف أثارت حفيظة الشعب ضد النظام الإخواني الحاكم.
فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين، جماعة لا وطن لها، فالوطن ليس في عقيدتها، فكل الأرض في أي بقعة في الدنيا وطن لهم، ولم يكن المواطن إلا عاملا لدى ضيعتهم، ليس عليه إلا السمع والطاعة، وإلا فجزاؤه النفي من ضيعتهم والحكم عليه طبقا لأدبيات عقيدتهم وأفكارهم.
لقد تحمل المصريون عاما كاملا تحت وطأة حكم الإخوان الذي أراد اختطاف الوطن إلى كهفهم؛ ليأتمر بأمرهم، منفذا لأحكامهم، مطيعا لشريعتهم، منفذا لسياستهم، فليس لدى المواطن إلا ممارسة طقوس الكهنوت الإخواني في محراب معبدهم.
ولكن قبل أن يكتمل العام ومع الإسراع في خطة التمكين لأخونة الدولة؛ بتشغيل أعضاء الجماعة في مختلف أجهزتها ومؤسساتها، ومن قبلها السيطرة على الحكومة ومجلسي النواب والشورى لتحقيق حلمهم بحكم مصر نصف قرن من الزمان، ومع الأزمات الدستورية والاقتصادية التي لازمت حكم الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي، انتبه الشعب لمخطط هذا التنظيم الذي لم يكن الوطن سوى منصة يحكم منها لتنفيذ مشروع تنتهي معه وتذوب معالم الوطن.
فهذا النظام الذي حكم مصر لمدة عام هو الذي اتفق ووقع عقد بيع سيناء للإسرائيليين برعاية أمريكية لجعلها وطنا بديلا للفلسطينيين وانتهاء قضية الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، فكانت “صفقة القرن” التي أحبطتها القوات المسلحة المصرية وجهاز المخابرات العامة، فقد كانت اليقظة والحيطة لحماية مصر وأمنها القومي، والحفاظ على أرضها.
هذا هو النظام الذي بدأ في تجنيس الفلسطينيين ومنحهم الجنسية المصرية لتوطينهم في سيناء تمهيدا لإتمام “صفقة القرن”.. هو نفسه ذات النظام الذي وطن الإرهابيين العائدين من أفغانستان وسوريا وليبيا ومن تنظيمهم ليكونوا في مواجهة الدولة في أي وقت حين تبدأ مرحلة زحزتهم.
هذا التنظيم كان ولايزال بؤرة الأفكار الهدامة والمشوهة لكثير من الشباب الذين تحول مصيرهم إلى مستقبل إما مجهول أو ضائع، بفعل مناهجهم المؤصلة لأفكار قادتهم الذين وضعوا أصولا وأدبيات ليست إلا في شريعتهم هم، حتى أصبحوا تنظيما يعيش في كهنوت السمع والطاعة.
بعد عام مضى من حكم الإخوان الكهنوتي لم يكن أمام الشعب سوى النزول معلنا عن موعد ثورته ضد هذا الكهنوت، مستغيثا بالجيش ليؤمنه ضد طغيان هؤلاء الكهنة؛ وما كان من الجيش إلا الاستجابة لنداء شعبه، فنزل إلى جميع ميادين مصر لتأمين شعبه.
وكانت ٣٠ يونيو ثورة سلمية ما رأينا فيها إلا رفع علم مصر يرفرف تصاحبه الأغاني الوطنية ونداء “إرحل يا مرسي”.
وتنجح ثورة ٣٠ يونيو لتهدم معبد الكهنة، وإزاحة حاكمهم، ولتبدأ أولى قرارات الثورة في الثالث من يوليو ٢٠١٣ بعزل الحاكم بأمر الإخوان، وحكومته وأعوانه؛ لتبدأ مصر مرحلة جديدة واختيار جديد لتطهير ما بذره الإخوان في ساحات الوطن. فكانت ٣٠ يونيو ثورة ضد الكهنوت.