تواجه السلطات الإيرانية تحديا كبيرا متمثلا في احتجاجات شبابية يجمع مراقبون على أنها استثنائية غير مسبوقة، لكن الأقليات التي تتعرض للقمع والتهميش تلعب دورا فيها.
وتقول بريندا شافير عضو في هيئة التدريس في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية لفورين بوليسي إن موجة الاحتجاجات المتواصلة في إيران منذ السابع عشر من سبتمبر لا تعتبر المرة الأولى التي يواجه فيها النظام الثيوقراطي في البلاد اضطرابات جماعية. لكن الاضطرابات الحالية استثنائية في نطاقها ولا تظهر أي مؤشر على التباطؤ. ولم تقتصر الاحتجاجات على طهران وقد اندلعت بعد مقتل الكردية مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما لانتهاكها قواعد اللباس المشددة.
وبلغت التحركات المحافظات الحدودية النائية أيضا وتأججت مظاهرات داخل المحافظات في العشرات من المواقع. كما انضم للتحركات عمال الصناعة وأصحاب متاجر البازار الذين يعدّون مهمين للنظام.
وفي اختلاف آخر عن الاضطرابات السابقة، قاتل المتظاهرون واستهدفوا الشرطة وقوات الأمن التي قتلت المئات منهم. كما اشتعلت النيران في سجن إيفين سيء السمعة في طهران خلال عطلة نهاية الأسبوع، وسُمع صوت طلقات نارية وأبلِغ عن سقوط العديد من القتلى.
وقد تشكل هذه الموجة من المظاهرات المستمرة وفق الكاتبة شافير التحدي الأكبر للنظام منذ الفترة التي تولى فيها الخميني للسلطة في 1979، مؤكدة أن الدور الرئيسي الذي لعبته الأقليات العرقية في إيران أهم جانب في الانتفاضة الحالية.
ووفقا لمنفَذ بي.بي.سي نيوز، استهدفت قوات الأمن المتظاهرين من الأقليات وقتلت عددا غير متناسب منهم، مع تركيز كبير للقتلى في بلوشستان ومنطقة بحر قزوين في شمال غرب البلاد.
كما ارتكبت قوات الأمن ما اعتُبر مجزرة في مدينة زاهدان القريبة من الحدود مع باكستان التي يطغى البلوش عليها. ففي الثلاثين من سبتمبر قتلت قوات النظام أكثر من 80 من سكان زاهدان أثناء مغادرتهم صلاة الجمعة. وارتدت قوات الأمن الزي البلوش التقليدي لتجنب الكشف قبل إطلاق النار على المصلين.
ولم يُذكر ارتكاب هذه المذبحة ضد الأقلية البلوشية في العديد من تقارير وسائل الإعلام الغربية. ونظّم البلوش المزيد من الاحتجاجات المناهضة للنظام بعد الصلاة على الرغم من المجزرة.
ويضيف تاريخ إيران وفق الكاتبة من المظالم العرقية (خاصة في المقاطعات غير الفارسية التي تسيطر عليها طهران) شرارة إضافية لمزيج قابل للاشتعال بالفعل. وتشير حملة القمع القاسية التي يمارسها النظام في زاهدان وأماكن أخرى إلى إدراك النظام لذلك.
وتؤكد الكاتبة أن طبيعة إيران المتعددة الأعراق جزء مهم من السياسة المحلية، وهي مصدر اضطراب محتمل مستبعد من المناقشات خارج إيران.
وتوضح أن الخبراء والمعلقين الغربيين يميلون إلى النظر إلى إيران من خلال عيون النخبة الفارسية، تماما كما نظر الغرب منذ فترة طويلة إلى روسيا من خلال عين موسكو الإمبراطورية مع ترك مساحة صغيرة للمشاهد الأوكرانية والداغستانية أو التتار، مضيفة “إننا نتجاهل هذه الحقائق واحتمالات الصراع الداخلي والتفكك”.
ويُذكر أن الأقليات العرقية غير الفارسية (الأذريون والأكراد والعرب والتركمان والبلوش وغيرها) تشكل أكثر من نصف سكان إيران، وهي تسيطر على مناطق شاسعة من البلاد خارج القلب الفارسي الذي يحيط بطهران.
وتعيش معظم هذه الأقليات وفق الكاتبة في المقاطعات الحدودية وتشترك في روابط مع عرقية مشتركة في الدول المجاورة كالعراق وأذربيجان وباكستان.
وتحظر طهران على الأقليات تعليم أبنائها أو تلقي الخدمات الحكومية بلغاتها الأصلية. وحتى مع ذلك، تشير بيانات الحكومة الإيرانية وفق الكاتبة شافير إلى أن 40 في المئة من مواطني البلاد لا يجيدون اللغة الفارسية. وغالبا ما تسخر وسائل الإعلام الرسمية والكتب المدرسية من الأقليات الإيرانية وتستخدم المجازات العنصرية. وتواجه الأقليات العرقية في إيران بحسب شافير صعوبات أشدّ بما في ذلك الفقر وضعف الوصول إلى الخدمات الحكومية والتدهور البيئي ونقص المياه من المحتمل أن يعزز شعورها بالتمييز والحرمان.
وتعاني الأقليات بحسب الكاتبة شافير من ارتفاع معدلات السجن والإعدام. وكثيرا ما يتعرض النشطاء والشخصيات الثقافية الذين يناضلون من أجل الحقوق اللغوية والثقافية للاعتقال والإدانة بارتكاب جرائم تتعلق بالأمن القومي.
وتقول الكاتبة إنه مع تواصل النشاط المناهض للنظام، ستلعب الأقليات العرقية دورا متزايد الأهمية. ويعرف النظام أن العديد من الفرس المهيمنين على المعارضة الإيرانية قد يكرهون النظام، لكنهم ينفرون من فكرة فقدان السيطرة على المحافظات أكثر. وتحاول طهران بالفعل مناشدة المشاعر القومية الفارسية لمحاولة تقسيم المعارضة، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية فقط هي التي يمكنها الاحتفاظ بالسيطرة على المحافظات. وبلعب الورقة العرقية، نشرت وسائل الإعلام وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني خرائط لتقسيم إيران إلى مقاطعات عرقية، محذرة المعارضة القومية الفارسية مما يمكن أن يحدث إذا سقط النظام.
وكانت الضربات الصاروخية التي شنتها طهران على الأكراد في العراق، والتي أدت إلى مقتل 13 شخصا، على الأرجح محاولة لتشويه صورة انتفاضة محلية بين أكراد إيران على أنها تدخل أجنبي. كما يحاول النظام إثارة الجماعات ضد بعضها البعض، مثل الأكراد والأذريين الذين تدور بينهم نزاعات طويلة الأمد حول الأراضي والمياه والموارد الأخرى.
وتؤكد الكاتبة أن العديد من الصحافيين الغربيين الذين يكتبون عن الاحتجاجات يفترضون أن الفرس وغير الفرس متحدون في أهدافهم لأنهم يدعون إلى سقوط النظام، وبالتالي لا يوجد تحدّ قائم على العرق للملالي. وقد يتذكر هؤلاء المراقبون أن الروس والأوكرانيين والبلط والجورجيين وغيرهم كانوا أيضا متحالفين في دعم سقوط الاتحاد السوفيتي. ولكن بمجرد أن ضعفت سيطرة موسكو على رعاياها، سعت العديد من هذه الجماعات لتنفيذ أجندتها الوطنية، مع روابط محلية للعرق واللغة والثقافة أقوى من المركز الإمبراطوري الذي كان يجمع شعوبها التي احتلها معا.
وتقول الكاتبة إن إيران تمتلك مثل روسيا تاريخها الإمبراطوري الخاص، ويشمل إرثه النسيج متعدد الأعراق المنتشر عبر خارطة إيران. ومثلما تجاهل المحللون الغربيون إلى حد كبير الجانب الإمبراطوري لسياسات موسكو، فهم يكررون الآن الأمر نفسه مع المكون العرقي لحكم طهران. وليس هناك ما يضمن أن ترى الجماعات المختلفة مستقبلا مع طهران إذا سقط النظام.
وتصاعدت المواجهة بين الأقليات العرقية في إيران والنظام الحاكم في السنوات الأخيرة. وكان العنف متبادلا، حيث كان النظام يستهدف الأقليات العرقية والعكس قائما. وقد تصاعدت الهجمات على أهداف حكومية منذ 2017، بما في ذلك الجيش وقوات الحرس الثوري الإيراني.
وتحدث معظم الهجمات وفق الكاتبة في مناطق غير فارسية إلى حد كبير، بما في ذلك سيستان وبلوشستان وخوزستان وكردستان ومحافظة أذربيجان الغربية الإيرانية. وكثيرا ما تهاجم الجماعات البلوشية والعربية والكردية القوات الإيرانية المتمركزة على حدود البلاد. فعلى سبيل المثال، اختطفت مجموعة من البلوش 12 من أفراد الأمن في سيستان وبلوشستان المجاورة لباكستان في أكتوبر 2018. كما شن المتمردون الأكراد هجمات على الجنود الإيرانيين وأعضاء الحرس الثوري الإيراني.
ويتعرض أمن أفراد الشرطة لتهديد مباشر في المقاطعات الحدودية الإيرانية. ويعيش ضباط الشرطة وقوات الحرس الثوري الإيراني في المحافظات غير مجهولي الهوية بالدرجة التي يشهدها نظراؤهم في طهران أو غيرها من المدن الكبيرة.
ووجّه نشطاء محليون في العديد من المواقع تهديدات مباشرة لأفراد الشرطة وأجهزة الأمن محذرين من انتقام شخصي إذا أساؤوا إلى المتظاهرين. ونشرت وسائل إعلام معارضة من الخارج صورا وتفاصيل شخصية للعديد من مسؤولي الأمن المحليين المشاركين في هجمات ضد المتظاهرين، وهددت الضباط بالانتقام على أمل ترهيب القوات الحكومية من شن المزيد من العنف.
وفي نوفمبر 2021 قتل مسلحون من عرب الأحواز العقيد في الحرس الثوري الإيراني هادي كناني، أحد منفذي حملة القمع المميتة ضد متظاهري المنطقة في نوفمبر 2019 ويوليو 2021. وبحسب نشطاء الأحواز في إيران، كان الكناني متورطا شخصيا في التحقيقات وتعذيب سجناء الأحواز السياسيين.
وتبين الكاتبة أن الموجة الحالية من الاضطرابات المناهضة للنظام تحدث في المحافظات التي نادرا ما شهدت تحرّكات من هذا النوع منذ توطيد الثورة الإسلامية في أوائل الثمانينات.
وتضيف أن هذا لا يشمل فقط بلوشستان الواقعة على الحدود الباكستانية، بل مقاطعات بحر قزوين، غيلان ومازاندران وكلستان، حيث أن المجموعات العرقية المهيمنة هي غيلان والمازاندراني والتركمان على التوالي. وكان بإمكان النظام في العقود الأخيرة الاعتماد على هدوء هذه المحافظات حتى مع ظهور نشاط مناهض للنظام في طهران وأماكن أخرى، لكن هذه المرة مختلفة.
وتشير الكاتبة إلى أن للأقليات العرقية في إيران تأثيرا كبيرا على نجاح النشاط المناهض للنظام. حيث تقع العديد من المواقع الإستراتيجية الأكثر أهمية في إيران في مناطق تهيمن عليها. ويقع إنتاج النفط والغاز الطبيعي الرئيسي وموانئ التصدير الرئيسية في خوزستان، حيث يعدّ أكثر من نصف السكان من أصل عربي، ولهم تاريخ طويل من محاولات الحكم الذاتي. ويقع ميناء تشابهار الإستراتيجي الإيراني في منطقة ذات أغلبية من البلوش، وقد أدى النشاط المناهض للنظام في المدينة الساحلية إلى خلق حالة من عدم الاستقرار هناك بالفعل.
وتؤكد شافير أنه إذا انهار النظام أو فقد القدرة على السيطرة على المحافظات، فقد تحاول عناصر من بعض المجموعات العرقية إقامة حكم ذاتي. ولن يكون هذا جديدا، حيث حدث هذا خلال الثورة الإسلامية في 1979 حين حاولت بعض المجموعات العرقية غير الفارسية الرئيسية (بما في ذلك الأكراد والتركمان والعرب) الانفصال عن إيران بعد رحيل الشاه، وحاول الأذريون تأسيس الحكم الذاتي.
وأفادت الكاتبة أن النظام الحالي وأي بديل محتمل سيعارض أي تغيير في حدود إيران، مضيفة أنه على عكس موسكو التي سمحت لمعظم الجمهوريات بالرحيل بعد الانهيار السوفييتي، لا تستطيع المعارضة الإيرانية حتى الموافقة على السماح للأقليات بتعليم لغاتها الأم في المدارس، ناهيك عن التمتع بالحكم الذاتي.
وأوضحت أن ذلك يمهد الطريق نحو صراع عنيف في حالة انهيار النظام، مما يؤثر على كل دولة على الحدود مع إيران ويؤدي إلى هجرة واسعة النطاق إلى أوروبا وأماكن أخرى. لذلك، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا وجيران إيران أن يراقبوا عن كثب العلاقة بين النظام والأقليات الإيرانية وأن يستعدوا لعدد من النتائج المحتملة.