رزق الله الشيخ عبد الباسط صوتا جميلا رخيما قويا تفرّد به من بين رؤساء دولة التلاوة.كانت فرحتى لاتوصف عندما كنت انتظر قراءته يوم السبت فى البرنامج العام فى الساعة الثامنة مع والدى وعمى..عليهما رحمة الله.الذين كانا حرصيْنِ مع كثيرين على سماع الشيخ.رحمه الله..وكان يشاركنى محبّة الشيخ الصديق الأثير والحبيب المُثَقْف المستشار أحمد أبو زيد..أكرمه الله.
كنّا نروّى قلوبنا بسماع سورة يوسف ومريم.وآل عمران.وقصار السور لاسيما سورة الشمس.أمّا الحفلات الخارجية فحدّث ولاحرج..فجمال التلاوة يأخذ بالقلوب والألباب.
مولده:
ولد الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد سليم داود فى السادس والعشرين من جمادى الآخرة عام.. خمسة وأربعين وثلثمائة وألف من الهجرة النبوية.الأول من يناير عام سبعة وعشرين وتسعمائة وألف فى قرية المراعزة التابعة لمركز أرمنت..محافظة قنا.قبل أن ينضم مركز أرمنت إلى محافظة الأقْصُر فى عام-٢٠٠٩-بعد تأسيسها بجنوب الصعيد.
لقبه:صوت مكة..وصاحب الحُنْجُرة الذهبية. رزقه الله جمالا فى الوجه والصوت..حتى أن صوره كان يقتنيها محبوه.
نشأته:
نشأ فى بيئة تهتمّ بالقرآن الكريم..حفظا وتجويد.. فجَدُّه..الشيخ عبد الصمد كان من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن الكريم وتجويده بالأحكام.ووالده. الشيخ..محمد عبد الصمد كان من حفاظ كتاب الله تعالى..والمجيدين لتلاوته بالتجويد.وأمّا الشقيقان.محمود عبد الصمد.وعبد الحميد عبد الصمد..فكانا يحفظان القرآن فى الكتّاب.ثمّ لحقا بهما شيخنا عبد الباسط.الأصغر سنًا.وهو فى السادسة من عمره.التحق الطفل الموهوب. عبد الباسط.بكتّاب الشيخ.محمد الأمير.شيخ كتّاب قريته.فاستقبله الشيخ أحسن استقبال لأنّه توسم فيه ذكاءً وفِطْنة..وكلَّ المؤهلات القرائية التى تجعله فى مصاف القرّاء العظام أمثال..محمد رفعت.ومصطفى إسماعيل.والمنشاوى.لاحظ الشيخ.محمد الأمير على تلميذه النجيب..عبد الباسط أنّه موهوب.وهبه الله بجملة من المزايا والنبوغ.
• كان محبّا للقرآن الكريم حريصا على حفظه.
• سريع الحفظ مدواما على متابعة شيخه بشغف وحبّ.
• الدّقة التى يملكها فى فى التحكم فى مخارج الحروف.ودقة نطق الألفاظ.
• كان موهوبا فطريا بالوقف والابتداء.
• عذوبة صوته التى تجدها فى أذانه.
• كان يردد ماسمعه وهو فى طريق العودة إلى بيته عائدا من الكتّاب.
كتب الشيخ عبد الباسط فى مذكراته التى كتبها بخط يده: كانت سنى عشر سنوات عندما أتممت حفظ كتاب الله وكان يتدفق على لسانى كالنّهر الجارى.كان والدى..رحمه الله..موظفا بوزارة الموصلات.كان جدى من العلماء الحافظين لكتاب الله..تعالى..فطلبت منه أن أتعلم القراءات..فأشار علىّ..أن اذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحرى لأتلقى علوم التجويد والقراءات على يد الشيخ المتقن..محمد سليم حمادة.وبينما هو يستعدّ لذلك إذ يحدث شيئ ليس فى حسبان الشيخ.إذ جاءت البشرى بقدوم الشيخ..محمد سليم إلى أرمنت مسقط رأس الشيخ.ليوفر على الشيخ وعثاء السفر ومؤنة الاغتراب.وقد استقبل أهل أرمنت الشيخ.محمد سليم أحسن استقبال.وعين مدرسا للقراءات فى معهد أرمنت الدينى.وتعلم الشيخ عبد الباسط على يديه أصول القراءات العشر.وحفظ على يده الشاطبية.
دخوله الإذاعة:
عرض الشيخ الضَّبْاع على الشيخ عبد الباسط أن يلتحق بالإذاعة..ولكن الشيخ عبد الباسط كان مرتبطا بمسقط رأسه.فأرجأ دخول الإذاعة.وهو الشيخ الذى كان يجوب صعيد مصر قارئًا للقرآن منذ أن كان سنه اثنى عشر عاما.ولكنَّ الشيخ الضَّباع سمع له تسجيلا له فى المسجد الزينبى فأصرّ عليه أن يدخل الإذاعة.فالتحق الشيخ بالإذاعة فى عام ألف وتسعمائة وواحد وخمسين.وكانت سورة فاطر أول سورة يقرءوها فى الإذاعة.وقد زاد الإقبال على شراء أجهزة الترانزستور..الراديو.بعد دخول الشيخ عبد الباسط الإذاعة نظرًا لما كان يتمتع به الشيخ من صوت جميل يأخذ بالقلوب والألباب.
شهرته:
ذاع صيت الشيخ وشهرته التى جابت الآفاق.فهو صاحب التلاوة القرآنية فى مسجد الإمام الشافعى.عام-١٩٥١-ثمّ انتقل إلى مسجد الحسين.عام.-١٩٥٨-خلف الشيخ..محمود على البنا.
يقول الشيخ البطيخى.. كان الشيخ عبد الباسط حريصا على قراءة القرآن فى بلده والبلاد المجاورة..وذات ليلة كان يقرأ ربعا من سورة النَّحل فى المسجد الحسينى فأعجب به الحاضرون أيما إعجاب.. ومنذ ذلك التاريخ ذاد الإقبال على الشبخ.وسماعه فى مصر وخارج مصر.وفى إحدى زيارته للحرم المكىّ كان الشيخ فى الحرم يقرأ من سورة البقرة…فلما فصل طالوت بالجنود.. وقرأ وقال نبيهم..وفى الركعة الثانية قرأ…إنَّ ناشئة الليل هى أشد وطئا وأقوم قيلا.. وكان يقرأ بقراءة ورش عن نافع.وبعد الصلاة نبّه الشيخ..عبد الباسط شيخ الحرم.أنّه كان ينبغى أن تقرأ كلمة نبيهم ..نبيئهم.بالهمز..وكلمة وطئا.وطائا..فشكر شيخ الحرم الشيخ.. عبد الباسط على ذلكم التصحيح. ولاعجب فى ذلك فهو أول نقيب للقراء فى مصر.. وذلك.فى عام.-١٩٤٨-
زياراته خارج مصر:
كتب الله للشيخ بفضل القرآن الذى كان يحمله أن يزور فى رمضان وفى غير رمضان كثيرا من البلاد العربية والأوربيّة قارئا للقرآن الكريم.فهو خير رسول لبلدنا مصر.فقرأ فى السعودية لاسيما فى مكة والمدينة.وزار سوريا وفلسطين وقرأ فى القدس وفى الحرم الإبراهيمى..وزار دولة الباكستان.واستقبله رئيسها فى المطار.
وقرأ فى جاكرتا عاصمة أندونسيا..واستمع له فى مسجدها الكبير ربع مليون شخص.وزار أمريكا ولندن.وزار جنوب أفريقيا.أيام التفرقة العنصرية.أراد الصحفيون أن يحرجوه..فسألوه عن التفرقة العنصرية فى جنوب إفريقيا..وكان معه الشيخ الرزيقى.فأجابهم عن سؤالهم بدبلوماسية..وأخرج الشيخ من مأزق.وجاء إليه زائر من الهند..وعرض عليه زيارتها.لأن أهلها فى شوق لسماع القرآن منه.فما كان من الشيخ أن لبّى الزيارة..فاستقبلته الهند استقبالا رسميا وشعبيّا وازدحم النّاس حتى ضاقت بهم الطرقات.فلم يجدوا بدا إلّا أن يفتحوا الإستاد الرياضى كى يستوعب الأعداد الغفيرة.التى بلغ عددها.ربع مليون شخص اكتظ بهم الاستاد الرياضى.
تكريمه:
لم ينل قارئ للقرآن من التكريم مثلما ناله الشيخ عبد الباسط..فقد تربع على عرش دولة التلاوة أكثر من نصف قرن نال خلالها قدرا واسعا من الحبِّ الذى جعله أيقونة لن تتأثر بمرور السنين.بل تزيد قيمتُها كالجواهر الثمينة.والأحجار الكريمة.فلم يُنس حيا وميتا.فمن تكريمه حيا..تكريمه من سوريا عام- ١٩٥٦-بمنحه وسام الاستحقاق..وكرمته لبنان بوسام الأَرْز…وكرمته ماليزيا بالوسام الذهبى..ونال وساما من السنغال والمغرب.ونال آخر الأوسمة قبل وفاته بعام..فقد كرمه الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى الاحتفال بليلة القدر عام ١٩٨٧ وهاكم الأوسمة التى حصل عليه الشيخ..عبد الباسط.
١-وسام من رئيس وزراء سوريا..عام ١٩٥٩.
٢-وسام من رئيس حكومة ماليزيا عام١٩٦٥.
٣-وسام الاستحقاق من الرئيس السنغالى عام١٩٧٥.
٤-وسام الأَرْز من الجمهورية اللبنانية.
٥-وسام تكريمى من جمعورية العراق.
٦-الوسام الذهبى من جمهورية الباكستان١٩٨٠.
٧- وسام العلماء من الرئيس الباكستانى..ضياء الحق عام١٩٨٤.
٨-وسام الإذاعة المصرية فى عيدها الخمسين.
٩-وسام الاستحقاق من الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك أثناء الاحتفال بيوم الدّعاة عام١٩٨٨.
ماذا قالوا عن الشيخ عبد الباسط:
قال عنه الشيخ الشعراوى: الشيخ عبد الباسط أوتى جمال الصوت وحلاوة الأداء. قال عنه الشيخ محروس طلبة عضو نقابة القرّاء: الشيخ عبد الباسط.. مزمارٌ من مزامير داود.أُوتى جمالا وحلاوة فى صوته.
وقال عنه الشيخ السرساوى أحد المبتهلين فى الإذاعة: الشيخ عبد الباسط صاحب صوت قوى فيه خشوع وسكينة.عبقرىٌّ فى الجواب والقرار.
وفاته:
تُوفِى..رحمه الله تعالى، بعد رحلة طويلة فى خدمة كتاب الله..عزَّوجلَّ.. فى العشرين من ربيع الثانى،عام تسعة وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة.الثلاثون من نوفمبر عام ثمانية وثمانين وثمانى مائة وألف من ميلاد المسيح.. عليه السلام.
أهل القرآنِ عليهم سكينةٌ ووقارُ.. ورحمة الله هى القرارُ.