نعم.. الإسلام دين ودولة، ولكن ليس دينا وسلطة وشتان بين الإثنين، فلا يستطيع أحد أن ينزع الإيمان من قلوب الليبين ، الذين يهتدون بالشريعة الإسلامية في مناحي الحياة وقوانين الدولة وتشريعاتها، وهذا هو معنى أن الإسلام دين ودولة.
أما أن يترك رجال الدين أمور الدعوة ويتفرغون الى السلطة ، ليحكموا بأنفسهم ويوظفوا الإسلام لتحقيق أغراض سياسية ،فهذا هو مكمن الخطر ويتناقض مع مبدأ المساواة ، لأن جماعة بعينها تريد الجمع بين الدين والسياسة ،وتحتكر الدين وتستحوذ على الحكم ، والنتيجة هي الفتاوى العنيفة والدموية التي تستبيح القتل والتكفير وتقسيم أبناء الوطن الواحد إلى مؤمنين ورويبضة ومسلمين وكفار.
التاريخ الإسلامي ينزف دماً بسبب هذه الفتن، التي بدأت شرارتها الأولى عندما شج السفاح «ابن ملجم» رأس الإمام على كرّم الله وجهه، وهو ساجد فى صلاة الفجر، صارخاً فيه «الملك لله وليس لك يا على»، ومازالت دماء الإمام الشهيد ساخنة حتى الآن، بعد أن أُريقت على سيف صراعات الولاية والملك.
عشنا فترة من ذبح وقتل فى بعض المدن الليبية نتمني ألا تعود أبدا ،بعد أن تفشت مساوئها وقدمت نموذجا فاشيا إقصائيا، يفتح الجراح ويستحضر الفتن ويمزق النسيج الوطني، ويضع الليبين وجها لوجه وكأنهم أعداء أشرار وليسوا أبناء وطن واحد.
حدث العداء المؤسف بسبب خلط الدين بالسياسة، وإصرار التيارات الإسلامية على احتكار السلطة بزعم التفويض من السماء، فتركوا الدعوة وتفرغوا للكراسي، ونصّبوا أنفسهم أوصياء على البلاد والعباد، وفسروا القرآن الكريم والسنة النبوية بما يخدم أطماعهم. وكانت كل الجرائم في شريعتهم مشروعة ، فيعذبون الأبرياء ويرفعون شعار « سلمية ».
لم تكن رسالتهم لصالح أبناء وطنهم ، بل الايحاء للخارج بأن ليبيا تعيش أجواء التوتر وعدم الاستقرار، فلا يطرق أبوابها سائح أو مستثمر، فتتفاقم أزمات الفقر والبطالة، وتزداد طوابير العاطلين في الشوارع، فيجندهم الإخوان.
تجربة مريرة ندعو الله ألا تعود ، وخلاصتها ممارسات سياسية تتخفى وراء شعارات دينية ، وتنتهج أساليب مسلحة وشرسة وعنيفة، تقتل وتسحل وتصيب وتدمر وتريق الدماء وتفتح الجنة لشهدائهم والنار لغيرهم ،وسعت الى شق وحدة الصف وتشتيت كلمة الأمة وتقسيم أبناء الوطن الواحد إما إخوة او أعداء.
*كاتب المقال: كاتب ليبي وعضو التجمع الوطني للمصالحة.