زلازلُ طبيعية ، كوارثُ بشرية ، مجازرُ إنسانية ، وتظلُّ يـدُ الطبيعة فيها ، أرحمَ من يـدِ الإنسان .
إذا كان بعضُ الفقهاء يروْنَ في تفسير القانون الإلهي ، أنَّ الذنوب تعجِّلُ في وقوع الكوارث ، نتيجةَ غضـبِ اللـه على ما سادَ في الأرضِ من فساد ، فيما هو ذنْـبُ الإنسانية البريئة إذا كانت كبائرُ الذنوب مصدرُها مظالم الحكّام وطغيان الأنظمة ..
وما هو في المقابل تفسيرُ الفقهاء للقانون الدولي حيال حقوق الإنسان في حرب الطبيعة وحـرب الطبائع ، والضحيةُ الأكبر فيهما هو العالَمُ المستضعف والعالم الثالث ، والعالـم المحكوم بديكتاتورية السيف ، حيث المخاطرُ والمجازر والمقابر : أنظمةٌ تقتل رعاياها وأمـمٌ تمـزّقُ بنيـها ، وحكامٌ يقطعون الرؤوس للمحافظة على العروش .
والأمـم المتحدة ، هذه التي يحرص ميثاقها على حماية حقوق الإنسان ، وصـوْنِ السلم الأهلي والأمنِ الدولي وتحقيق العدالة الدولية .
هذه الأمـم المتحدة ، أصبحت أُمَماً متباعدةً متنافرة ، والعدالةُ الدولية عندها تقـفُ إلى جانب الدول الصغيرة بمقدار ما يكون لديها ما يكفي من آبار النفْـط .
هي نفسها ، الدول والأنظمة التي تفتكُ بالشعوب ، تسارع إلى نجْدتِها ، تشتركُ في انتشال الضحايا من تحت أنقاض الزلزال في مهرجان فولكلوري هو أقرب إلى المنافسة منـهُ إلى الرحمةِ ، تطمرُ الأحياء وتُنقـذُ الأموات في عمليةِ انفصامٍ إنساني ، بين مَـنْ هو قاتلٌ ومنقـذٌ معاً .
أبـرزُ المفارقات ، أنّ هناك كلاباً مدرّبـة ، كان لها حسُّ الإستشعار في اكتشافِ المطمورين بالأنقاض بما يوازي المسؤولية الإنسانية .
ولبنان ، هذا العريقُ لبنان ، لبنانُ الإنساني ولبنانُ اللبناني ، يهـبُّ منخرطاً في أفواجِ الإغاثة ، يعضُّ على الجروح النازفةِ ليقول بلسان الشاعر المهجري السوري نـدْرَه حـداد :
أنا أنسى جـرحَ قلبي كلَّما شاهدتُ جرحَكْ
وإذا أخطأتَ نحـوي فأنا أطلبُ صفْحَـكْ
أما بعد … فالسؤال الذي تطرحهُ الإنسانية المعذَّبة بأَلـمٍ وشغَف : هل ستكون الكوارث عِبـرةً للأمـمِ والشعوب في هذا الكوكب الأرضيّ الملتهب لتحلَّ المراحمُ محلَّ المآتـم …؟ أوْ أنّ الأرض ستظلّ تتغذّى بلحوم البشر …؟
هل ستظلّ العلائق الدولية حقائبَ دبلوماسية مفخَّخة على معابر الأمـم ، والأممُ تتبادل البضائع والقنابل معاً ، والسلامَ والـدمَ معاً …؟
أَمَـا آنَ للقرن الواحد والعشرين أنْ يلملم أشلاءَ ما ورثنـاهُ من كوارث ومجازر على مـدى التاريخ ، فيما الكـرةُ الأرضية أصبحت بفعل التطوّر التكنولوجي أشْبـهَ بقريـةٍ كونية ، وقد اتَّخـذَ الإنسان من ذكائه أجنحةً يطوفُ بها فوق كلِّ السدودِ والحدود ..؟
متى يدرك الأربابُ الدوليّون الذين يتحكمّون بالمصير الكوني خلافاً لمشيئة ربّ الكون ، أنّ الإنسان هو المحور الوجودي المطلق الذي من أجله وُجـدتْ شرائعُ الدول وأنظمةُ الممالك والحكّام ، وأنّ من حـقِّ هذا الإنسان الكوني أنْ يعيش بسلام ؟
إنـه التمنيّ .. لعلّنا نتَّقي الكوارثَ وغضبَ اللـه بالتكفير عن الذنوب ، ولعلَّ الذين ضلّـوا من عباد اللـه بوَحيـهِ يهتدون .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.