هو صنو الشيخ المنشاوى فى خشوع الصوت وتصوير المعانى. عندما تسمعه تشعر بقشعريرة تسرى فى جنابات جسدك يتبعها لين فى القلب.فقد كان شيخًا متفردًا فى موهبته يرتل القرآن بشجن وخضوع يقينى.ويقرأ باقتدار وهو متمكن من مخارج الحروف.
والشيخ البهتيمى قد جمع بين ميزات كثيرة..فهو مرتل ومجود للقرآن الكريم.ومجيد لجماليات التواشيح المؤثرة فى النّفوس.والابتهلات الدينية.يشاركه فى ذلك كثيرون منهم..الشيخ الفشنى.والشيخ محمد عمران.والشيخ الطاروطى.
وقد استطاع منافسةَ كبارِ القرّاء بقدراته الصوتية العجيبة.فأنا من الجيل الذى لاينسى قراءته فى إذاعة البرنامج العام.من الثامنة إلى الثامنة والنصف.بتلاوته الرائقة الفائقة..ونحن لاننسى تواشيح الشيخ..البهتيمى..ياربِّ بالمصطفى بلغ مقاصدنا-هواك ياكعبة الأنوار-بذكر محمد تحيا القلوب.
مولده:
اسمه..محمد زكى يوسف..الشهير.بكامل يوسف البهتيمى.ولد عام -١٩٢٢-عام ألف وتسعمائة واثنين وعشرين من ميلاد المسيح..عليه السلام..ولد فى قرية بهتيم بشبرا الخيمة..محافظة القليوبية.وإليها تُنْسَبُ شهرته العريقة..كان أبوه من قُرّاء القرآن فألحقه بكتّاب القرية وعمره ست سنوات..وأتمَّ حفظ القرآن الكريم قبل أن يتمَّ العاشرة من عمره.
اكتشاف موهبته:
فى عام-١٩٣٦-اكتشف طبيب بيطرىّ يعمل بقرية بهتيم صوتا يرتل القرآن ببراعة ونغم رتيب حبيب رهيب.وكان صاحب الصوت..الشيخ كامل يوسف البهتيمى.الذى كان يتميز بالصوت النّدى الحسن.فقد كان شديد الحرص على الإلمام بقواعد علوم القرآن وأحكام التجويد..ممّا جعله فى مقدمة المقرئين المجيدين.
أساتذته:
تتلمذ الشيخ البهتيمى على يد الشيخ على محمود.والشيخ.محمد رفعت.والشيخ.محمد الصيفى.كان ذلك عن طريق المشافهة.وهذا هو الأصل فى التعلم.فهو الذى كان يطوف حول السرادقات التى كان يقرأ فيها الشيخ.محمد رفعت.وعلى محمود.وغيرهما من العمالقة.وكان الشيخ رفعت هو أول عمالقة التلاوة التى تعرف عليهم الشيخ البهتيمى.وظل الشيخ رفعت يخصه بالعطف والحنان حتى تُوفِى الشيخ.رفعت.وأخذ البهتيمى يبكيه كلما سمعه يقرأ القرآن.
والشيخ..محمد الصيفىّ له أيادٍ بيضاء على الشيخ..البهتيمى..فله الفضل وجزيل الشكر.فلايشكر اللهَ من لم يشكر النّاسَ.فللشيخ محمد الصيفىّ دور كبير فيما وصل إليه الشيخ البهتيمى.لأنّه كان يعلم حلاوة الصوت الذى يتميز بها الشيخ البهتيمى.والشيخ محمد الصيفىّ هو الذى عرض على البهتيمى أن يترك قريته بهتيم..واصطحبه إلى القاهرة..ونزل ضيفا عليه..وأكرمه غاية الإكرام.
التحاقه بالإذاعة:
قبل أن يلتحق الشيخ..البهتيمى بالإذاعة المصرية كان يقرأ القرآن الكريم مذاعا.بمبلغ من محطة القاهرة بمبلغ قدره خمسون قرشا عن كلّ إذاعة..وفى عام-١٩٤٤-سافر الشيخ إلى فلسطين.وقرأ القرآن من إذاعة الشرق الأدنى وباجر خمسمائة جنيه فى شهر رمضان.وفى العام التالى سافر إلى السودان وقرأ القرآن الكريم فى النادى المصرى بالخرطوم طوال شمس رمضان.
وفى عام-٢٩٤٧-كان الشيخ البهتيمى يذيع القرآن الكريم من محطات.لندن وسوريا ولندن ودلهى فى الهند والشرق الأدنى وباجر جنيه مصرى واحد عن الدقيقة الواحدة.
وفى عام-١٩٥٢-تم اعتماده بالإذاعة..وبعد ذلك التاريخ بدأ يقرأ القرآن كلَّ جمعة بمسجد عمر مكرم بميدان التحرير بالقاهرة.وفى عام-١٩٦٤-سجّل نصف خاتمة القرآن الكريم المرتل للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية..كما سجّل القرآن الكريم مجودا للإذاعة المصرية حتى أصبح مقرئ القصر الجمهورىّ. لذلك أحبَّه الرئيس عبد الناصر..وكان يتم استدعاؤه لإحياء السهرات والحفلات التى كانت تقام فى القصر الجمهورى.
موقف طريف:
يحكى الشيخ موقفا طريقا حدث له وهو فى فلسطين فى عام-١٩٤٤-حيث حاصرته مجموعة من جنود الإنجليز السكارى.وطلبوا منه أن يقرأ لهم ظنًّا منهم أنه يغنى..واضطر الشيخ إلى أن يقرأ لهم أكثر من ساعة.وهم يتمايلون من النشوة والسرور قبل أن يتركوه.
وفاته:
تعرض الشيخ..البهتيمى لمحاولة اغتيال فى عام-١٩٦٧-فى بور سعيد حيث كان يقرأ القرآن وتعب تعبا شديدا..وأصيب بشلل نصفىّ..لكنه نجا بأعحوبة من تلك المؤامرة.حيث وُضعت له المخدرات فى فنجان القهوة.
وفى عام-١٩٦٩-توفى بأزمة قلبية عن عمر يناهز سبعة وأربعين عاما وهو يقرأ القرأن ويتهيأ لصلاة الفجر..وقام الشيخ المصرى شيخ المقارئ فى هذا الوقت بعمل مجمع قرآنى فى سرادق العزّلء قرأ فيه خمسمائة قارئ من رجال المقارئ العربية..واستمروا فى قراءة القرآن بعد دفنه لمدة خمس ساعات متتالية.
رحم الله علما من أعلام القرآن الكريم..وجزاه الله خيرا عما أسدى لنا من معروف وعما بذل من مجهود لخدمة كتاب الله..عزّ وجل.. اللهمّ أمين.