عظيمةٌ عندنا الجمعة العظيمة ، عظيمةٌ جـداً في لبنان منذ أنْ كان ذلك اللبنان العظيم.
كلّ يـومٍ من أيامنا جمعةٌ عظيمة ودربُ صليب ، نُساقُ إلى الجلجة ، نُجلدُ بالسياط ، نُطعن بالرماح ، نُسقى الخـلّ والمـرّ ونُصلب بين لصّين وأكثر ، وبيلاطس يبـرّيء ذمتَـهُ ويغسل عن يديـه الـدم.
عندما راح الفريسيّون يدبّرون مكيدةً للمسيح كان الصراع صراعاً سياسياً على أساس أن المسيح قال : إنـه ملك اليهود أيْ أنـه ينافس القيصر.
ومع أن المسيح يؤكّد : أنّ مملكته ليست من هذا العالم فقد أمـر هيرودس بسوقـه إلى الموت مدفوعاً بقـوة الباطل وصخب الجماهير : “ويجلدونكم وتساقون إلى الولاة والملوك من أجلي” : متى : 10 (16 – 17).
خلاصُكِ بيدك يا أورشليم ، وأورشليم يعبث البيلاطسيّون بخلاصها وقد تنجَّستِ المدينة الجميلة على يـدهم وقيّدت نفسها بقيود الإثـم حتى كـاد يـوم الرحمة المقدّم لها أن ينقضي.
خلاصنا بيدنا ، بـأيّ يـد ، بيد القيادات والزعامات التي تدنَّستْ في جحيم غرائزها وتلوّثت بكل أنواع المفاسد والآثـام السياسية والإنحراف الوطني …؟
بيدهم أصبح الوطن بلا دولـة والدولة بلا جمهورية ، والجمهورية بلا رئيس ، والسلطة بلا دستور ، وأوراق الدستور أصبحت شبيهة بأوراق الليرة اللبنانية ، مجـرّد لعبـة في أيدي الصرّافين.
خلاصُـهُ بيـد شعبه ، وقد آن لهذا الشعب أن ينتفض متحرّراً ويحطّم اليـد التي كبَّلتـهُ بالسلاسل.
وإلاّ ، فماذا ينتظر ومَـنْ ..؟ هل يترك لبنان معلّقاً على لبنانيةِ الدول الخمس ، وتطبيع العلاقات السعودية الإيرانية ، والعلاقات السعودية السورية ، وتظـلّ طريق بعبدا تنتظر القوافل العابرة على طريق الحرير : من الصين وجنوب آسيا وبلاد ما بين النهرين والقارة الإفريقية وصولاً إلى اليونان …؟
قادة الـدول الخارجية لياقـةً أو خبثاً يعتبرون الإستحقاق الرئاسي شأنـاً داخلياً وقـادة الدولة اللبنانية وقاحـةً أو ذلاًّ يعلّقون الإستحقاق الرئاسي على الشأن الخارجي.
وأهل الفقيد يتلون صـلاة الغائب ورنين الأجراس يغنّي في الفضاء ، ولم تتحقق أعجوبة إقامة ليعازر الرئاسي من بيـن الأموات.
ثلاثة وخمسون تلميذاً في عليّـة بيت عنيـا ، يتفقون دائماً على ” اللاّ ” ويختلفون على “النعم” ، بينهم غير تومـا لا يـؤمن حتى يضـع إصبعه في خاصرة المسيح ، ومنهم من يصلّي ليغيّـر وجهـة تمثال العذراء لمصلحته ، على غرار ما كان على عهد الرئيس فـؤاد شهاب.
كلّهم ، يطالبون برئيس منقـذٍ وطني حيادي سيادي ، والسيادة حسب القاموس ، هي شـرفٌ ومجـدٌ وقـدْرٌ رفيـعٌ ومنصبٌ كريم. ولهذا ، فإنّ اللاّسياديّين لا ينتخبون سيداً.
المسيح لقّـب بالسيد ، وهكذا كـلّ من ينتسب إلى السلالة النبويـة.
اللاّسياديون الذين صلبوا المسيح ، هـمُ الذين اغتالوا الحسين في كربلاء.
يتذرعون بالسيادة وكـلّ فريق يريد رئيساً لـه ، رئيساً لجمهوريته ، رئيساً يؤمّـن مصالحه ويعمل لحسابه وحساب الذين يعمل لحسابهم ، أمّـا أن يكون هناك رئيس سيادي حياديّ وطني جامع “بـيَّ الكـل” ، فهذه أسطورة ذهبت مع الذين ذهبت أخلاقهم وذهبوا.
مع هذه المنظومة ، لا سيادة ولا رئاسة ولا قيامة ، حتى ينتفض الشعب ويدحرج عن القبـر الحجر.
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.