كاتب هذه السطور من الجيل الذى تربَّى على صوت الشيخ..عبد العظيم زاهر..رحمه الله..كان صوته يأتى شجيًّا فى الساعة السادسة صباحا عبر أثير إذاعة البرنامج العام..وفى صوت العرب فى الساعة السابعة والنصف أيام المذيع..سعيد العيلى.
والشيخ عبد العظيم زاهر لمن لايعرف كان صاحبَ صوتٍ مُمَيَّز ونبرة أثيرية أخَّاذة تسمو بك إلى عوالم علوية ذاكرا المولى..عزّ وجل. الذى يعلم السر وأخفى.وكما جاء فى القراءة الغير متواترة.[يزيد فى الحلق ما يشاء.].
ومن العجب العجيب العجاب أن الشيخ عبد العظيم زاهر..رحمه الله تعالى..بدأ حياته كمساريا بشركة الترام.ثمّ استقال من الشركة التى يعمل بها.ثمّ أصبح من أكبر قرّاء القرآن الكريم.
مولده:
ولد الشيخ..عبد العظيم زاهر..يوم الإثنين فى الثانى والعشرين من فبراير.عام أربعة وتسعمائة وألف-١٩٠٤-من ميلاد المسيح..عليه السلام.. ولد بقرية مجول.مركز بنها..محافظة الدقهلية.
حفظ القرآن الكريم وهو فى الثامنة من عمره..ثمَّ ألحقه والده بمعهد القراءات بالقاهرة الذى كان يوجد فى شارع ريحان.ومن الجدير بالذِّكر أن هذا المعهد كان الأول فى تدريس علم القراءات.
تتلمذ الشيخ..عبد العظيم زاهر..رحمه الله..على يد الشيخ..خليل الجناينى..رحمه الله تعالى..الذى تنبأ للشيخ زاهر بمستقبل عظيم وزاهر فى علم قراءة القرآن..وأيضا تنبأ له بذلك الشيخ…حنفى السَّقا.
كان الشيخ.زاهر يقرأ فى حفلات شركة الترام..فأعجب به زملاؤه.. وكان يحتاج إلى كثير من الصقل بعد حفظه المتين لكتاب الله..تعالى..التى تحقق له فى معهد القراءات كما أشرنا إلى ذلك فى أول المقال.
صداقته مع الشيخ رفعت..رحمه الله:
ربطت الشيخ..عبد العظيم زاهر..رحمه الله..بالشيخ.. محمد رفعت..رحمه الله. علاقة وثيقة من الصداقة والحبِّ..فكان أحدهما يحب أن يسمع الآخر. وفى الوقت الذى كانت الإذاعة تبُثُّ برامجها على الهواء مباشرة. وكان المُتَبَعُ فى هذه الفترة أن قارئ القرآن لايغادر مبنى الإذاعة..ولا الاستديو إلّا بعد أذان المغرب..فماكان من الشيخين إلّا أن يتناولا طعام الإفطار معًا فى رمضان..فإذا كانت التلاوة للشيخ زاهر فكان بعد المغرب يخرج قاصدا منزل الشيخ رفعت فى درب الجماميز فى منطقة الدرب الأحمر ليتناولا طعام الإفطار معا..وإذا كانت التلاوة للشيخ رفعت فكان يخرج متوجها إلى منزل الشيخ زاهر فى حلمية الزيتون حيث يسكن الشيخ عبد العظيم زاهر.
التحاقة بالإذاعة:
ظهر الشيخ.عبد العظيم زاهر كصوت مميز فى الاحتفالات الدينية وذاع صوته فى السماع وسرادقات العزاء..حتى أن مدير الإذاعة أنذاك..محمد سعيد لطفى..أطلق عليه اسم الصوت الذهبى.وتم التحاقه بالإذاعة المصرية فى عام-١٩٣٦-وفى عام-٢٩٤٢-تم تعينه قارئا لمسجد محمد على..ثمّ انتقل بعد ذلك إلى مسجد السيدة زينب..رضى الله عنها وأرضاها سنة-١٩٥٦- وكان آخر مسجد قرأ فيه الشيخ زاهر..رحمه الله..مسجد صلاح الدين بالقلعة.
خلافة مع إدارة الإذاعة:
اختلف الشيخ زاهر والشيخ رفعت مع إدارة الإذاعة حيث كلنت مصر تحت وطئة الاحتلال الإنجليزى.وقال الشيخ.عبد العظيم لمديرها ماركونى الانجليزى…إنَّ الإذاعة تتشرف بنا…نحن المشايخ.وليس فى وجودك. ياماركونى..على رأسها. وبعدها قاطع الشيخان الإذاعة..ثمَّ عادا خضوعا لرغبة الجماهير.
صوته فى الميزان:
لم يشهد عصر التلاوة الذهبى صوتا كصوت الشيخ..عبد العظيم زاهر.فقد كان نسيجا وحده..لم يستطع أحد إلى اليوم أن يقلده.وكان الشيخ. رحمه الله. ينتمى إلى فئة الصوت الصادح. وقد تحققت له الشهرة فى أواخر العشرينات وخلال النصف الأول من ثلاثينيات القرن العشرين.
كان الشيخ يقتصر فى قراءته على قراءة حفص عن عاصم.فهو من القرّاء الملتزمين. قال عنه الكاتب الساخر..محمود السعدنى فى كتابه..ألحان السماء..إنَّ الشيخ.زاهر كان صاحب صوت مقتدر على الأداء فى جميع المقامات..وهى ميزة لم يظفر بها إلّا عدد قليل من القرّاء والذين على رأسهم..قيثارة السماء..الشيخ..محمد رفعت..فكان فى صوته نبرة حزن وشجن. فكان أقرب للنّاى الحزين.
وكان الشيخ..عبد العظيم زاهر..وما زال الكلام للأستاذ محمود السعدنى..ينتقل بسهوله من القرار إلى الجواب وإلى جواب الجواب بسهولة ويسر.
قال عنه الشيخ..أبو العينين شُعَيْشَع بلدينا فهو من مدينة بيلا..كفر الشيخ.واسمه.. أخيرا..أطلق على المعهد الدينى الازهرى الثانوى فى مدينة بيلا..قال عن الشيخ..عبد العظيم زاهر.. أنّه مزمار من مزامير آل داود.وكان الإذاعى..محمد فتحى يسميه..كروان الإذاعة.
وقال عنه الشيخ على محمود. صاحب الصوت الشجىّ..أن الشيخ.عبد العظيم زاهر لم يُخطئ فى القرآن قط.
وأخيرا أطلق عليه.الأستاذ..محمد سعيد لطفى. رئيس الإذاعة أنذاك..أنّه صاحب الصوت الذهبى الذى لايُقَارَنُ بأحد.
الشيخ زاهر وجارته النصرانية:
كعادة الشيخ.عبد العظيم زاهر الذى يستيقظ قبل الفجر ليصلى القيام وكان يتلو القرآن بصوت عالٍ فيتغلل صداه إلى قلوب من يسمعونه.وهو يناجى ربّه فى خلوته..وفى ذلك الوقت الذى يستجيب الله فيه الدعاء.وكان الشيخ يدعو ربّه أن ينفع به من يسمعه.وفى يوم من الأيام طلبت منه جارته النصرانية أن يقرأ عليها سورة مريم.فلم يتأخر الشيخ.وكان يأمر زوجته أن تصنع قطع الحلوى وتهديها لجارته.
وقد عاش الشيخ..عبد العظيم زاهر حياة سعيدة فى ظلال القرآن..ورزقه الله بنعمة الولد ..فوهبه باثنىْ عشر ولد وبنتا عاشوا فى كنف أبيهم.وكان من بينهم المهندس وأستاذ الجامعة.ومسؤلة وزارة الصحة.
تكريمه:
عاش الشيخ..عبد العظيم زاهر بالقرآن والقرآن..فقد سجل الشيخ..زاهر لمختلف الإذاعات المصرية والأجنبية.ولم يترك تسجيلا كاملا للمصحف المرتل..وقد بلغ عدد تسجيلات الشيخ زاهر للإذاعة أكثر من مئة تسجيل منها ثمانية وسبعون تسجيلا لمدة نصف ساعة..وثمانية عشر تسجيلا مدّة الواحدة خمس وأربعون دقيقة.وعدد من التسجيلات لمدّة عشر دقائق..وقد شارك فى البعثات التى أرسلتها وزارة الأوقاف المصرية إلى معظم الدول العربية والأجنبية لإحياء ليالى رمضان كما جاء فى مجلة آخر ساعة عام ١٩٥٦.
وعاش الشيح حياة حافلة بالأحداث.وقد تمّ تكريمه بمنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى في احتفال ليلة القدر عام-١٩٩١-.وقد أصدرت إمارة عجمان بدولة الإمارات الشقيقة طابعا بريديا يحمل صورته تكريما له.
وفاته:
بدأت رحلة النهاية بعد حياة حافلة بالعطاء القرآنى فى أعقاب إصابته بإنفصال فى الشبكية بعينه اليمنى عام-١٩٦٧-وأجرى عملية جراحية. ثمّ أصيب بمرض الصفراء فى العام التالى.وقد وافته المنية..رحمه الله..يوم الثلاثاء الثامن عشر من ذى القعدة عام-١٣٩٠-من الهجرة الشريفة.الموافق الخامس من يناير عام-١٩٧١-وتمت الصلاة عليه بمسجد عمر مكرم ليوارِى جسمانَه الثرى بمسقط رأسه بقرية مجول بالقليوبية..مات الشيخ عبد العظيم زاهر بعد أن ترك بصمة قرآنية فى قلوب مستمعيه.
رحمه الله رحمة واسعة.
*كاتب المقال: موجه اللغة العربية بالأزهر الشريف سابقا.