إذا لم تكن الرئاسةُ على النار ، بل النار على الرئاسة …
إذاً … إستبشروا بطول عمر الفراغ الرئاسي المعهود ، وقد أصبح هذا الفراغ كأنّـهُ مـادةٌ دستورية .
فـراغُ رئاسةٍ وفـراغُ وطـنٍ ، وفـراغُ رؤوسٍ ، وما حكَكْتَ رأساً إلاّ أجابك صـدى الطنـين .
يقولون : إنَّ الذنب الأكبر يقـعُ على الموارنة : أحزاباً ونواباً وقيادات .
ونقول : نعم … ولا .
نعم … لأنّ المارونية الرئاسية لا يزال كـلٌ منها يحمل صليبَـهُ الجلجلّي الخاص ، وصليبه السياسي المعكوف ، وحـرب الإلغاء مستمرةٌ بكواتم الصوت ، وليس هناك “مار مخايل” ماروني آخـر خارج الضاحية الجنوبية يمكن أنْ يـوّحد بين مارونيتّـين في وثيقـة تفاهم أوْ اتفاق .
ولا … لأن مواصفات الرئيس الكياني السيادي الإصلاحي الجـدّي ، هي مواصفات وطنية ملحّـة ، وإنْ كان الذين يطرحونها يتّفقون على المواصفات ويختلفون على الموصوف .
ويقولون : إنّ المارونية الرئاسية تبالغ في اجتهاد الأسباب لاستبعاد زعيم المـردة سليمان فرنجية … ولكنَّها استفادت من الشكل لتسديد الرماية على الجوهر ، ألـم يكن من الأجدى أنْ يُعلن فرنجية ترشّحهُ فيأتي التأييد لـه من الثنائي الشيعي بـدل أن ترشحه هذه الثنائية في شكلٍ اتّخـذ الطابع القسري في الإصرار والتأكيد ، هذا مرشّحكُم فانتخبوه … وهو “ربّكم الأعلى فرعون” …؟
ولكن .. هناك من يصـرّ على موازنة المقارنات فيتساءل : ما إذا كانت كلمة “نعـم” لسليمان فرنجية لا تحتّمُها الأسباب ذاتها التي من أجلها ترفضه المارونية الرئاسية .
وماذا بعد …؟ هل تستمرّ معركة الرئاسة على أشدّها احتداماً ، بين مرشح جـدّي ، ومرشح إسمه الفراغ ، أوْ بين مرشح ممانعٍ ومرشح ممنوع …؟ ونكاد نخشى ألاّ يتحقّق الدخان الأبيض إلاّ بالسلاح الأبيض ، والسلاح الأبيض لا ينتخب إلاّ سلطاناً أحمر .
وهل تتحوّل المعركة الرئاسية إلى مبارزات ثنائية لا تعود الرئاسة فيها استحقاقاً وطنياً جامعاً ، بقدر ما تصبح غنيمةً ، أو مادةً محمومة في حلبة الصراع يحاول كـلّ فريق أن يحقّق بها طموح انتصاره الشخصي …؟
وأين …؟ أين هي المنظومة البرلمانية التي خلقناها ، وكأنها هي التي خلقتنا تتحكّم بنا على هواها المسعور بفعل خطيئة الخالق وغـدرِ المخلوق ، ولا يزال هناك من يجعلنا نضحي في سبيلها بمصير وطـن ، وهناك وثَنَـةٌ ما زالوا يتعبّدون للأقطاب الأصنام ويحاولون تضليل الناس بعفّـة الصنَم الذي يعبدون .
في جلبَـةِ تخبّـط البلاد بين النار والرماد ، طالما رحنا مع “ديوجين” نحمل القناديل في واضحة النهار نفتش عن الرجل المنتظر الذي يقول بلسان الفيلسوف الفرنسي “روسو” :
“عندما تتعرّض مصالح الناس للخطر يتّفقون على أن يتنازل كـلٌ منهم عن قـدرٍ من حقوقه للمجموع حتى يتسنّى للحاكم أن يحكم بإرادة الأمـة …”
وفي غياب هذا الرجل ، وغياب تفاهم لبناني – لبناني ومسيحي – مسيحي يبـدّد الإفتراق إلى وفاق واستحقاق ، فقد يظـلّ الحـلّ معلقاً على خشبة الفراغات والرهانات الخارجية … وانتظروا أنْ ينصّبَ الخارجُ عليكم رئيساً هو أشبه بمولود عجائبي ، يجمع المتناقضين المضادّين كمثل تمثال “أبي الهـول” نصفُـهُ الأولُ ينتهي بذنب ، ونصفُـهُ الثاني ينتهي برأس إنسان ، والمسافة قصيرة جـداً بين الرأس والذنب .