… ويبقى انتخاب رئيسٍ للجمهورية في لبنان هو الحدث …
والكاتب السياسي إذا ما تخطىّ آنيَّـةَ الحـدث ومـدَى أهميتهِ وتأثيرهِ الإنعكاسي على الشأن الوطني والسياسي يصبح خارجَ المكانِ والزمان وخارج لحظـةِ التاريخ .
إننا محكومون إذاً بمواكبة الإنتخاب الرئاسي بالتكرار الممـلّ ، وليس علينا أن نجتهد في تحليل الأحداث الإقليمية والدولية على سخونتها ، ما دامت النار تتسلّل إلينا ونحن نحترق باللّهب .
ويقولون : إنَّ الإستحقاق الرئاسي في لبنان هو شأنٌ داخلي … هكذا اكتشف “كولومبس” وزارة الخارجية الأميركية وسائر الدبلوماسيات العربية والدولية .
الحقائب الدبلوماسية لا تحمل رسالة الإمام علي إلى الوالي “الأشتر” على مصر وهي أعظم برنامجٍ للحكم ، ولا تحتوي على فصولٍ من رسائل بولس الرسول .
والسفراء لهم لغتُهم ، يتكلمون بلغةِ الشيفرة ولغـةِ الجسد ولغـةِ الإيمـاء والترميز .. وهناك شيطانةٌ سحرية إسمها كلمة السرّ .
حين تتكلم دبلوماسيةٌ عن “الحوار” لإنجاز الإستحقاق الرئاسي فهذا يشكّل موقفاً ، وحين تـرى دبلوماسية أخرى “أنّ الإستحقاق الرئاسي شأن داخلي” “سيادي” فكلمة سيادي تفسّر موقفاً .
الإستحقاق الرئاسي عندنا هـو دبلوماسي ، والإستحقاق الدبلوماسي داخلي ، والداخل عندنا خارجي ، والخارج يقـف وراء الداخل والوراء عندنا يمشي إلى الوراء .
الدول تحترم إرادة الشعوب الداخلية عملاً بشرائع الأمـم المتحدة والوثائق الدولية ووثيقة الإتفاق الإيراني – السعودي في الصين .
ولكنّ الوثائق لا تقمعُ المشاعر وشهوةَ المصالح ، ليكون لكلّ دولة عربية أو إقليمية أو دولية ناطق رسمي في لبنان .
أقولُ أنا كما تبغونَ أنتمْ وأنتمْ قائلونَ بما أقـولُ
وهكذا يصبح الإستحقاق الرئاسي وكـلُّ استحقاق عندنا كأنّـه مِلْـكٌ ضائعٌ نبكي عليه مثل النساء ، وليس بين الجموع رجـلٌ تخشى الحسناء أنْ تخلعَ أمامَـهُ ستْـرَها .
وحتّى يمـنّ علينا اللـهُ بداخلٍ لبنانيٍّ يرفـع رأسه عنفواناً ، لا يرفـع ساعديه استسلاماً ولا يمـدّ يديـهِ لولاءٍ أو استعطاء ، فقد تظل كـلّ استحقاقاتنا الداخلية تتحطّم بالفراغ ، ويظـل كـلُّ خارج يعيّـنُ عندنا حصانَـهُ قنصلاً .
وقديماً ، ثارَ جنونُ العظمة بالأمبراطور الروماني “كاليغولا” فعيّن حصانه قنصلاً بعما شاء أن يعيَّنـهُ كاهناً فوجّـه أسوأ إساءةٍ إلى أهل الأرض وحكّامها وأهلِ السماء وأنبيائها .
ليـتَ الذين يصابونَ بجنون العظمة يعلمون كيف كانت نهاية الأمبراطور الروماني كاليغولا .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.