تماثيل من الشمع للزعماء اللبنانيين

آخر تحديث : الجمعة 9 يونيو 2023 - 6:52 صباحًا
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

عيَّنوها جلسةً نيابيةً وقالوا : إنها لانتخاب رئيسٍ للجمهورية … أنا لـمْ يلفتْنـي الخبـرُ ولم أبتهج لـهُ ، ولا أثـارَ فـيَّ الإهتمام ، لأنني أعرف أن الجلسةَ جلسةٌ بتـراء تتغلَّب فيها أوراق التصويت المحروقة والأوراق البيض ، ومع أنَّ الورقة البيضاء كذبـةٌ دستوريةٌ بيضاء ، إلا أنها تسوِّدُ الوجـه .

ولكنْ ، أكثرُ ما لفتَني في مجال الزعامة الشعبية الأسبوع المنصرم ، زفافُ الأمير الحسين ولـيّ العهد الأردني ، وقد بـدت الجماهير الأردنية على امتداد شوارع العاصمة “عمّـان” ، تتدفّق ملهوفةً لتحيّي موكب الأمير ، بكل ما حملت المشاعر الوطنيةٌ من صدقٍ والأحاسيس الوجدانية من عمْق في تكريس الولاء والعهد للملك وولـيِّ العهد .

لستُ أدري ، ما إذا كان الذين حكموا عندنا ، والذين نصَّبوا أنفسهم زعماء ، يتجرَّأون على مواجهة جمهور الناس في الشوارع ، من دون أن يتعرَّضوا لسيلٍ من الرشْقِ بالبَيْضِ الفاسد .

سبَـقَ أن تفجَّرت بيروت بمرفأ بيروت فاهتزَّ معنا ضميرُ العالم وزحفتْ إلينا فرنسا رئيساً ، وهمْ لم يتجرَّأوا خوفاً من فساد البيض .

ومع هذا ، فالزعيم عندنا هو أكبر من الزعماء والملوك والرؤساء ، إنـه يساوي اللـه والوطن … ألـمْ نسمع شعار : “اللـه ولبنان والزعيم” ، بما فيهِ من تزيّيـفٍ وتجديف يتردَّد هتافاً لزعماء المذاهب والأحزاب ، فإذا كلُّ زعيمٍ اآـهٌ ووطـن ، ولكلٍ حـزبٍ وجماعة ربٌّ ووطـنٌ ودولةٌ وشعبٌ وزعيم .

في التاريخ السياسي القديم كان الملك إآـهاً أو إبنَ إآـه ، ثم كان الحاكم والرئيس والخليفة والأمير والإمام والزعيم والوزير .

عندنا يسير التاريخ إلى الخلف ، فلا يلبث أنْ يتحوّل الزعيم إلى إآـه ، والآلهـة يحتاجون إلى من يتعبَّد لهم .

والحقيقة : إنَّ عهـد الزعامة الشعبية في لبنان قد ولَّـى ، مع آخـر دفعةٍ من المخضرمين تاريخيّاً ، وآخـر حلقةٍ من رجال الإستقلال الذين لا يزالون محنَّطين في سجن راشيا .

عندما تـمَّ تغيّيبُ القيادة والزعامة والريادة والفرادة والنجابة ، واستُبعدَ رعيلُ المبدعين بالضاربين على طبول البنادق والخنادق ، أصبحت المدينة الفاضلة عند إبـن خلدون مدينة عاهرة ، وراحَ لبنان يستنزف تباعاً أبـرزَ خصائصهِ ومآثـرهِ المميّزات ، ورحنا نستنزف معه كل خصائص الذات الرائدة في التفوّق .

في ظـل الزعامة الإآـهية والحكم القـوي : أصبحنا نخجل بلبنانيتنا ودولتنا وهويّتنا وانتمائِنا وألقابنا وأسمائنا ، وأصبح جواز سفرنا أمام أيِّ سلطةٍ خارجية ، كأنَّـهُ مذكرة توقيف .

ما لكُمْ وللإستحقاق الرئاسي وما يليهِ من إستحقاقاتٍ عقيمة ، فما هي إلاّ نـوعٌ من الدوران حول طواحين الهواء ، وفي الطواحين جعجعةٌ ولا طحـنٌ ولا حـلّ .

هل تسألون عن طريق الحـل …؟ إنّ خطة الألف ميل تبدأ بإصلاحٍ وتغيير من نـوعٍ آخـر ، أيْ : أنْ يحـلَّ المجلس انيابي نفسه لإعادة تكوين السلطة رهاناً جديداً على تغيير إرادة الشعب وقد تكشَّفتْ أمامه عاهاتٌ لم تكنْ واضحةً في الإنتخابات الأخيرة ، فإذا كـرَّر الشعبُ رهانه نكونُ كمنْ يتقبَّل المعاصي عقاباً على ما اقترفناه ، وإنْ هو بـدَّل تبديلا ، فلا يمنع تكريماً ، من أن نقيم للزعماء اللبنانيين تماثيل من الشمع في متحف مدام “توسّـو” في لندن ، إسوةً بعددٍ من الملوك والرؤساء ونجوم هوليود ، وإلى جانب غرفة الرعب التي تصوّر في المتحف أشكال الجرائم القاسية التي تـمَّتْ أثناء الثورة الفرنسية .

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2023-06-09
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر