في حِقْبـةٍ عاصفةٍ من التاريخ ، كانت فرنسا مربَـطَ خيلنا … وعملاً بالتبادل “الدبلوماسي”، ليس من الغريب أنْ تكون بيروت مربطَ خيل باريس .
وحدها الأم الحنون تتصدَّر المجالس والتحالفات الدولية من أجل احتضان الإبن الضال : قلبُها على ولدِها وقلبُ ولدها على الحجر .
ولأنّ فرنسا ، عاشت في لبنان وعايشَتْ صيغة لبنان الـمُفْرطة في التشابك ، فهي دون غيرها من الأمـم تعرف حقيقة خصائص لبنان وطبائع مكوِّناته الروحية والسياسية وارتعاشاتها .
المفوض السامي الفرنسي “غبريال بيو”ــ Pieux حين عُـيِّن في لبنان راح يزور ممثّـلي الطوائف ، وفي زياراته الطوائف الإسلامية قال : أنا غبريال أي جبرائيل وقد ورد إسمي في القرآن الكريم والإنجيل الشريف .
وفرنسا ، تعرف أيضاً أهمية لبنان الحضاري ، وموقعه المتميّـز في خضمّ هذا المتوسط المرتبك ، وتُدرك معنى رسالته على المستوى العالمي .
بعضهم ، يربط حرارة العلاقة الفرنسية بلبنان ، على أنها مندفعةٌ بأهواء المصالح المترامية ، وكأنّ إيمانويل ماكرون نابوليون زمانه يتّخذ من لبنان موقعاً للإستيلاء على المنطقة ، كمثل ما كان نابوليون يخطّط للإستيلاء على مصر من أجل القضاء على إنكلترا .
نحن أيضاً نعرف ، أنَّ العلائق الدولية لا تقوم على أقداس الروحانيات ، وأنّ الحقائب الدبلوماسية لا تحمل أحاديث نبويـة ولا بعضاً من رسائل بولس الرسول ، إلاّ أن المهمّ أنْ تكون المصالح الدولية متكافئة والنتائج متبادلة .
في لعبة المصالح ، المشكلة فينا وعندنا ومعنا .
هل نحن : حكّاماً وأحزاباً ونواباً وسياسيين نعمل لمصلحة لبنان ، ونقـدِّمُ مصلحة لبنان على مصالحنا وأغراضنا وغرائزنا وأحزابنا ومذاهبنا … بـلْ ، هل إنّ مصلحة دولة لبنان متقدّمـة على مصالح الدول في لبنان …؟
وإلاّ … فكيف سقطت كـلُّ معالم الدولة في لبنان ، بمفهومها الدستوري والقانوني والوضعي ، وانهارت كلُّ مؤسساتها الشرعية والسياسية والأمنية والقضائية هبوطاً نحو مهاوي الإنهيار …؟
كيف تحقّق المنظومة السياسية مصلحة لبنان ، وقد انكفأتْ على ذاتها عبر انشقاقات متواجهة بأعلى درجةٍ من التشنّج ، فإذا الإستحقاقت الوطنية عندنا معارك محكومة بعنف السيطرة وعنجهية التفوّق ، في دولة المربعات الطائفية والمزارع …؟
وتبقى الدولة الأمّ ضحيّـة تجاذبات القيادات ، كأنّما كـلٌّ يريدها أن تكون دولـةً لـهُ ، أوْ لا تكون … هكذا يقول الشاعر :
إذا لمْ يكنْ للمرءِ في دولةِ امريءٍ
نصيبٌ ولا حظٌّ تمنَّى زوالَها
منذ خروج الوصاية السورية من لبنان 2005 ، كنّا كلّما استحق عندنا استحقاق ، نتخبّط بالفراغ والموت السريري الدستوري ، نطلب الترياق من العراق ونستورد الرئيس من دوحـة قطر .
والآن ما هو الحـل …؟
الداخل مفكّك بوطنية مهشّمة على خناجر السياسيين … والبرلمان مشلولٌ بالعجز على كرسيّ المقعَدين ..
والخارج ، كأنما هو الأب الحنون ، مجموعة دولية عظمى لدعم لبنان ، ولجنة دولية خماسية ، ومبادرات قطرية ، وثنائية الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي محمد بـن سلمان ..
كلّ هذه الطاقة الدولية ، حتى وإنْ فرضت الحـلّ على الداخل ، فلن ينجح في الداخل حلٌّ ، إلاّ إذا حـلَّ فيه الوفاق محل الخصام .
بالمعنى الدولي : إدعمْ نفسَكَ لأدعمك …
بالمعنى الشعبي : ما حكّ جلدك إلاّ ظفرك …
بالمعنى اللاّهوتي : قـمْ لأقوم معك …
بالمعنى الشعري : ومن لا يُكرّمْ نفسَهُ لا يُكرَّمِ .
فإذا كان هناك وفـاءٌ بعهد الوفاق ، كان العهد مسؤولا ..
وإلاّ … فلا يبقى غيرُ ذلك الحـلّ الذي اعتمده ولـيّ العهد السعودي محمد بـن سلمان في السعودية الشقيقة ذات يـوم .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.