تستعد روسيا وتجري ترتيباتها، على قدم وساق، لتنظيم القمة الروسية الأفريقية في دورتها الثانية، والتي تحتضن أعمالها مدينة سانت بطرسبرج الروسية (ثاني أكبر مدن روسيا) في أواخر يوليو الجاري.
ويستعرض القادة الأفارقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نتائج القمة الأولى التي شهدتها مدينة سوتشي الروسية في أكتوبر 2019، لاستكمال تلك النتائج باتفاقات جديدة تثمرها القمة الثانية وفق معطيات جديدة للمشهد الراهن وما يتوقعه القادة خلال الفترة المقبلة.
وفي ظل المحاولات المستميتة من أمريكا وحلفائها الأوروبيين لعزل روسيا عن العالم وفرض عقوبات جديدة على روسيا نظرا للحرب الدائرة بينها وبين أوكرانيا، وآخرها وضع الرئيس بوتين على قائمة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، كانت هناك ضغوط من قبل دول الغرب لقادة الدول الأفريقية بعدم الاقتراب من روسيا، ومحاولة تعطيل أو إفشال القمة الروسية الأفريقية الثانية، إلا أن القمة ستشهد مستوى تمثيل رئاسي لأغلب الدول الأفريقية، وهو ما يوقع صفعة للحلف الغربي ضد روسيا.
أيضا، فإن الغرب أراد أن يضع دولة جنوب أفريقيا في موقف حرج؛ بسبب استضافتها قمة مجموعة “بريكس” في أغسطس المقبل، والتي كان من المقرر أن يحضرها الرئيس الروسي بوتين، وبحكم لائحة المحكمة الجنائية الدولية كان يجب على سلطات جنوب أفريقيا إلقاء القبض على “بوتين” وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث أن جنوب أفريقيا عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن جنوب أفريقيا وروسيا (تفاديا للحرج) اتفقا على حل أمثل وهو حضور وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ممثلا للرئيس بوتين.
وعلى الرغم من أن انعقاد القمة الروسية الأفريقية الثانية هو امتداد طبيعي للقمة الأولى في عام 2019، ولم يكن انعقادها أواخر يوليو الجاري هدف رئيس لفك العزلة الدولية عن روسيا بسبب حربها مع أوكرانيا؛ إلا أن انعقادها يسجل هدفا صعبا في مرمى الغرب الذي يحاول جاهدا إبعاد الدول الأفريقية عن روسيا.
وبالنظر إلى علاقات القارة الأفريقية وإعادة صياغتها في الفترة الأخيرة سنجد أن الموازين اختلت والحسابات تبدلت.. فها هي الدول الأفريقية التي ظلت لعقود طويلة تحت هيمنة دول الاحتلال، حتى بعد نيل استقلالها، وظل نهب الثروات والأموال هو الهدف الأسمى لتلك المحتل، وعلى رأسهم فرنسا (بلد النور والثقافة والحريات).. لكن اليوم، بدأت تلك الدول تلتفت إلى تحقيق مصالحها وانقلبت على المحتل الذي راح يلقي باعترافاته عن مسؤولياته عن جرائم ومجازر تسبب فيها فترة احتلاله، ومن هؤلاء دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
فقد واجهت فرنسا، على سبيل المثال، انتكاسة كبرى في مناطق نفوذها في عدة دول أفريقية. فقد قامت فرنسا بسحب قواتها من دولة مالي (الواقعة في غرب أفريقيا) بعد أن تعاقدت مالي مع قوات “فاجنر” الروسية، حيث فشلت القوات الفرنسية في القضاء على الحركات المسلحة التي تواجه الحكومة في مالي.
وفي بوركينا فاسو تم طرد القوات الفرنسية شر طردة؛ بإنهاء اتفاق عسكري يسمح للقوات الفرنسية بقتال المسلحين ضد الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.
لقد أدركت دول القارة الأفريقية أن العالم يتغير، ولم يصبح ذات القطب الأوحد المتمثل في أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وأن المصالح تقتضي اليوم نسج علاقات متعددة مع أطراف إقليمية ودولية متنوعة بحسب وجهة ونوع المصالح، وهنا أدركت غالبية الدول الأفريقية أن روسيا والصين بهما ملاذا آمنا في كثير من العلاقات على مختلف الأصعدة، فكانت وتيرة العلاقات متسارعة بين هذين القطبين الصاعدين ودول القارة الأفريقية، بعد أن تخلت أمريكا وحلفاؤها الغربيون عن حماية الدول الأفريقية.
وعلاوة على ما سبق، فإن كلا من رويسا والصين لا يتحدثان باستعلاء كما يحدث من دول الاحتلال الغربي السابق، ولا يتدخلان في شؤونه الداخلية، فالحاكم هو المصلحة المتبادلة بين الطرفين.
وعن العلاقات الأفريقية مع روسيا، تحديدا، فإن حسابات الغرب لن تفلح هذه المرة، خاصة وأن أمريكا صنعت حربا باردة بينها وبين الصين على عدة جبهات سياسية واقتصادية وأمنية، والصين لها شراكة استراتيجية مع روسيا ومع أفريقيا.
وهنا يجب الالتفات إلى أن التهديدات المستمرة من أمريكا والغرب للدول الأفريقية بسبب اقترابها من روسيا لن تجدي هي الأخرى، إذ أن غالبية الدول الأفريقية كانت هي السبب في منع اتخاذ قرارات في الأمم المتحدة العام الماضي ضد روسيا بسبب حربها مع أوكرانيا، فتلك الدول حفظت لروسيا وقوفها بجانبها وإمدادها بالسلاح بداية من البنادق وصولا إلى الطائرات المقاتلة.. ودولة مثل جنوب أفريقيا لم تنس وقوف روسيا ومساندتها لها في محاربة حكم الأقلية البيضاء.
إن التجارب الفاشلة لأمريكا وحلفائها الغربيين في أفريقيا انتبه لها الأفارقة، مؤخرا، ولن يعيدوا التاريخ ليسلموا بضاعتهم إلى المحتل مرة أخرى دون مقابل، بل عليه إعادة ما نهبه طيلة سنوات الاحتلال وما بعد الاحتلال.
تهديدات أمريكا والغرب لأفريقيا، ومحاولات عزل روسيا، لن تكون إلا وقتا ضائعا لهم ومكتسبا لمن في مواجهتهم.