هجَـم النفطُ مثلَ ذئبٍ علينا فارتَميْنا قَتْلى على نعْلَيْهِ
مِنْ خرابِ الخرابِ جاءَ إليكمْ حاملاً موتَـهُ على كتفيهِ
من شظايا بيروت جـاءَ إليكمْ والسكاكينُ مزّقَتْ رئتيْـهِ .
نـزار قباني
يُعجبني جداً ، أنْ يُطلقَ على الصندوق النفطي إسم “الصندوق السيادي” … ويُعجيني أكثر ، أنّ الذين هجّروا السيادة من البـرّ ، يحاولون أن يلتقطوها في صندوق من البحر .
السيادةُ ، ليست كلمةً مطّاطـةً ، متعدّدة المفاهيم … وليست جاريـةً سائبةً في سوق البغايا ، إنّها كلمة طاهرة لا يمكن اغتصاب عذريِّتها … وقبل أنْ نتَّـفق أو نختلف على مواصفات الرئيس .. فهل نحن متَّفقـون على مواصفات سيادة الوطن وسيادة المواطن وسيادة القانون وسيادة الدولة …؟
فإذا كانت الدولة منتهكة السيادة ، فلا سيادة لكل ما ينبثق منها : من سلطات ومجالس ومؤسسات وإدارات وصناديق …
في الكلام على “الصندوق السيادي” ، تبرز مجموعة من التساؤلات حـول هذا الإستعجال الملحّ في تقاسُمِ جلـدِ الـدبّ … مع أنَّ موعد اصطياد الـدبّ لا يقـلّ عن سنوات ..؟
الوطنُ في مهبّ الأمواج ، ولا تـزال الأيدي التي سطَتْ على صناديق الدولة تلاحق صندوقاً في البحر بحـجّةِ انتشالِ السيادة .
هل سيكون هذا الصندوق السيادي النفطي شبيهاً بالصندوق السيادي الكهربائي ، بلا “هيئـة ناظمة” ، ليتساوى بينهما الهـدرُ بما يقارب الستة والأربعين مليار دولار عبْـرَ التجارة بالغاز …؟
يقول الرئيس ميشال عـون في (29/3/2021) : :إنّ النائب جبران باسيل هو الذي أوجـدَ أفضل الحلول على مستوى الكهرباء وإخراج الغاز …”
وبهذا ، يكون صاحب الفضل هو صاحب الحـقّ في إيجاد أفضل الحلول لإدراة : “الصندوق السيادي” بحيث يصبح كإمرأة قيصر منزّهاً عن الفساد والشبهات .
لأنّ النائب جبران باسيل قد صـرّح أخيراً : “بأنّـه لا حظوظ لـهُ في رئاسة الجمهورية” … فلا بـدَّ إذاً مِـنْ أن يكون هذا الصندوق ، وصناديق مقفلة أخرى ، مادةً للتفاوض حـول البديل الرئاسي ، عِبْـرَ مطالب متواضعة ومنها :
أولاً : أنْ يستحصل في حواره مع حزب اللـه على وعـدٍ ضمنيّ بالإستحقاق الرئاسي سنة 2028 ، على غرار الوعد الذي تلقّاه رئيس تيار المـردة سليمان فرنجية بعد تنازُلهِ لمصلحة الجنرال ميشال عـون ، مع العلم بأنْ المستقبل ليس بيـدِ حزب اللـه بقدر ما هو بيـدِ اللـه .
ثانياً : أنْ يكون لَـهُ الرأيُ في اختيار المرشح الرئاسي الذي يؤمِّـن ظهر المقاومة ، بمثل ما كان هو سنـدَ الظهر للعهد العوني .
ثالثاً : أن تكون لَـهُ الحصّـةُ الراجحة في التعيينات التي تُعرفُ بالحصَّـة الرئاسية ، أبرزها : حاكمية مصرف لبنان ، قيادة الجيش ، ورئاسة مجلس القضاء الأعلى .
ويعرفُ الحبيب كيف يتدلّل ، ولا سيما بعد حادثة الكحالة الأخيرة ، التي تستوجب لغير اعتبار مراعاة رئيس التيار .
لا نعتقد أنّ الحزب يميل إلى كسرِ جبران الخاطر ، مقابل الإستحصال على أصوات نواب التيار لانتخاب سليمان فرنجية ، ما دامت مطالب جبران ، مرهونةً بموافقة الحلفاء ، وموافقة المجلس النيابي على اللاّمركزية المالية الموسعة التي تحتاج إلى تعديل دستوري .
الطموح إلى رئاسة الجمهورية لا غرابـةَ فيهِ ولا اعتراض عليه ، ولكنّ الطموح الجامح والإستقتالي يجعل صاحبَـهُ يصطدم بخيبةِ توقُّف الطموح : هكذا قال الرئيس الأميركي “هاري ترومان” : إنـه لا يحبّ وظيفة رئيس الجمهورية لأنّـه لا مستقبل لها” .
ما دامت هذه الجمهورية شبيهةً بنادي العُـراة ، ومختومةً بالشمع الأحمر ، فقد يصبح من الأفضل الإعتصام برئاسة الظـلّ ، وقد شهدنا بالممارسة أن الرئيس الظـلّ هو الحاكم الحقيقي وراء الحاكم الرسمي .
ألم يقـلْ جبران خليل جبران : “أنا ربُّ نفسي” عندما أراد أنْ يتحـرّر من الشرائع والقوانين …”؟
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.