>> استقالة الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية أحدث ضربة لتيار “الإخوان” في موريتانيا منذ عام 2019
شكلت استقالة محمد جميل ولد منصور الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الذي يمثل تيار الإخوان المسلمين في موريتانيا، أحدث ضربة للتنظيم في سياق انشقاقات وانقسامات بدأت منذ العام 2019 وأحدث حلقة تصدع في مشروع التنظيم الدولي للإخوان الذي تفككت حلقاته تباعا في مصر ثم تونس وصولا إلى المغرب مع خروج حزب العدالة والتنمية (المغربي) من الباب الصغير بهزيمة مذلة في الانتخابات التشريعية بعد عقد في السلطة وهو العمر الافتراضي تقريبا للتنظيمات التي أبدت تماسكا باستثناء إخوان مصر الذي انهار حكمهم في نحو عام فقط.
ومع اختلاف أوضاع هذه الأحزاب الإسلامية في بلدانها، فإن القاسم المشترك الذي يجمعها بعيدا عن المسائل التنظيمية، هو حركة التفكك الداخلي بمجرد ولوجها السياسة وهو أمر طبيعي ونتاج تركيزها على الأجندة الايديولوجية التي تُعلي التنظيم والفكر والممارسة على الدولة وتختزل في نفسها الدين والدنيا.
يكاد وضع “تواصل” الإخواني لا يختلف عن وضع “حزب العدالة والتنمية” المغربي ولا عن “حزب النهضة التونسية” وهما آخر تنظيمين يخرجان من السلطة من الباب الصغير، فالنهضة التي عزل الرئيس التونسي قيس سعيد منظومتها التي هيمنت على الحكم لعشر سنوات تعاني حتى قبل إجراءات سعيد في 25 يوليو 2021، من انقسامات داخلية وخلافات حول الأداء التنظيمي والسياسي.
أما على مستوى القاعدة الشعبية فكل المؤشرات تجمع على أنها فقدت هالة القداسة والتقية مع انكشاف تنامي الفساد في عهدها (خلال حكومتي الترويكا الأولى والثانية).
وبالنسبة لإخوان المغرب، تتواصل الخلافات وحالة الشد والجذب بين قيادات حزب العدالة والتنمية بعد الهزيمة الانتخابية ويكابد التنظيم في لملمة شتاته الحزبي ، لكن ضجيج الخلاف لا يزال أعلى من جهود إعادة الترميم والعودة للتموضع السياسي.
وبالعودة لحزب “تواصل” أكبر أحزاب المعارضة الموريتانية، يسود اعتقاد لدى كثير من المحللين أن استقالة محمد جميل ولد منصور أحد ابرز مؤسسي الجماعة الإسلامية كانت بمثابة الرصاصة الأخيرة التي أدخلت التنظيم إلى غرفة الإنعاش ولا أحد يعلم على وجه الدقة إن كان سيخرج من هذه الحالة أم أن النزيف سيستمر.
استقالة ولد منصور جاءت بعد أشهر من إعلانه ترك مسافة بينه وبين العمل السياسي في حزب تولى رئاسته مدة 12 عاما، ما فتح باب التأويلات حول أسباب الاستقالة، لكنه أوضح في بيان على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أنه وجد نفسه “مضطرا إلى الاستقالة من الحزب من جرّاء اختلالات نبّه إليها”، مضيفا أنه قدّم ملاحظات حول الاختلالات “وانتظر أي علاج ولو قليل، أو تصحيح، ولو كان محدودا”، لكن من دون نتيجة.
وتذهب أراء المحللين إلى أن استقالة ولد منصور توحي بأن الرجل قد ينتقل من المعارضة إلى صف السلطة كما سبقه إلى ذلك منشقون عن “تواصل”؛ فالإخوان في موريتانيا دأبهم في ذلك دأب نظرائهم في دول عربية أخرى يكرسون مبدأ “النفعية” في الممارسة.
قد ينتقل ولد منصور إلى تأسيس حزب إسلامي جديد مستفيدا من شعبيته وقوة تأثيره وقد ينضم إلى الحزب الحاكم، وفق بعض القراءات.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن الرجل أبدى منذ عام 2019 انحيازا إلى نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، بينما كان معارضا قويا لسلفه محمد ولد عبدالعزيز.
وهذا الوضع إن صح يحيل مشهديا إلى وضع “إخوان الجزائر” الذي طبع التقلب ممارساتهم طيلة عقود: ساق في المعارضة وأخرى في مركب السلطة.. يقفزون من مركب السلطة كلما اشتد الخناق عليها لكن طالما هي في وضع جيد فإنهم في وضع الموالاة بثوب المعارضة.
والرئيس السابق لحزب “تواصل” من أبرز مؤسسي “الجبهة الإسلامية” ثمّ حزب الأمة فـ”مبادرة الإصلاحيين الوسطيين” إلى أن منح إخوان موريتانيا في مطلع عام 2007 الترخيص بتأسيس حزب سياسي للمرة الأولى وهو حزب “التجمّع الوطني للإصلاح والتنمية- تواصل” وترأسه ولد منصور لولايتين متتاليتين.