يوم الخميس ٧ سبتمبر الماضي كشفت اسرائيل وثائق سرية تتعلق بحرب أكتوبر من العام 1973، أظهرت تفاصيل عن التقديرات والقرارات التي اتخذت قبيل اندلاع المعركة. ونقلا عن صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، نقول إن الوثائق كشفت سوء تقدير كل من وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان ورئيس أركان الجيش إيلي زعيرا للوضع بعد أن استبعدا إمكانية اندلاع حرب مع مصر وسوريا.
ونشرت الصحيفة أنه بعد 50 عاما على اندلاع الحرب، تبين أن المسؤولين في إسرائيل اجتمعوا في مكتب رئيسة الوزراء جولدا مائير قبل 18 ساعة من بدء القتال، يوم 5 اكتوبر وناقشوا مسألتين إجلاء العائلات السوفيتية من مصر وسوريا، والتدريب المشترك الذي أجرته الدولتان وكان هناك إجماع على أن الحرب لن تندلع.
واكدت الصور ومقاطع الفيديو التي تم الكشف عنها أن الشك ظل يراود المسؤولين الإسرائيليين، واعترف وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان أن تقييمه كان خاطئاً، و تغيب عن الاجتماع رئيس الموساد جهاز المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت زيفي زامير الذي كان في رحلة إلى لندن للقاء (صديق ) بعد ذلك قالوا إنه اشرف مروان الذي مرر له معلومات خطأ عن موعد الضربة المصرية المتوقعة وهي الساعة ٦ مساء السادس من اكتوبر وكانت تعتبره اسرائيل عميلا لها لكن الايام أثبتت أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات هو الذي كلفه بمهمة التعامل مع الموساد لصالح مصر !
وكشفت الوثائق أن وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان قال خلال الاجتماع، إن الصور الجوية أوضحت الاستعداد الكبير للقوات المصرية، خاصة فيما يخص سلاح المدفعية، واقترح توجيه رسالة إلى الأميركيين فحواها أن اسرائيل على وشك التعرض لهجوم عربي لكي يخبروا روسيا بأن إسرائيل لا تملك نيات هجومية والكشف عما في جعبة المصريين والسوريين، وفقا للوثائق.
وأوضحت الصحيفة أنه بعد ساعات قليلة، عقد اجتماع آخر في مكتب مائير، وقدم إيلي زعيرا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وجهة نظر أخرى مفادها أن الاستعدادات المصرية والسورية نابعة من الخوف من إسرائيل.
ونقلت الوثائق الإسرائيلية عن رئيس الأركان قوله إن “التقييم الأساسي القائم على التأكيد بأننا لسنا على أعتاب حرب جديدة أكثر عقلانية بالنسبة لي، استعداداتهم قد تكون قائمة على الاستعراض أو وجود مخاوف لديهم، وهذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها موقفا مشابها”.
وتابع قائلا: “لكن حتى أكون موضوعيا، علي أن أعترف بأنني لا أملك أدلة كافية تؤكد عدم وجود نية لديهم لإعلان الحرب”. وطلبت مائير بدورها من الجيش البقاء على اطلاع بالتحركات المصرية والسورية. وقالت والحديث لمائير “على كل حال سأبقى هنا خلال هذه الفترة، وأنا مستعدة لجميع الاحتمالات، آمل ألا نصل لتلك المرحلة”.
وفي صباح السادس من أكتوبر 1973، عقدت مائير جلسة بحضور وزراء وقادة الجيش الإسرائيلي بعد ورود معلومات حول الهجوم المصري والسوري الوشيك، وكان أحد الأسئلة الرئيسية يتعلق بتنفيذ ضربة استباقية ضد مصر وسوريا، لكن وزير الدفاع استبعد هذا الخيار قائلا “لا يمكننا تنفيذ ضربة استباقية في هذا الوقت من وجهة نظر سياسية، حتى قبل خمس دقائق من اندلاع الحرب”.
وساندت مائير وجهة نظر وزير الدفاع، وقالت “خيار الضربة الاستباقية مغري جدا ولكن علينا أن نتذكر أنها ليست حرب 1948، العالم الآن متيقظ ولن يصدقنا”.
وهكذا يمكن القول إن الموقف في اسرائيل قبل ٢٤ ساعة من بدء الحرب كان مرتبكا على مستوى التقديرات العسكرية والتوقعات السياسية ونجح أنور السادات في جعل الصورة ضبابية أمام أعين الاسرائيليين فاختل توازنهم وفقدوا القدرة على صنع القرار وهذا ما أكدته لجنة اجرانات التي شكلتها اسرائيل للتحقيق في أسباب هزيمة عيد الغفران ( كيبور) السادس من اكتوبر عام ١٩٧٣ وأصدرت قرارا وقتها بعزل رئيس الأركان الإسرائيلي، ومنعه من مزاولة أي مهام أخرى رئيسية في الدولة، وبالنسبة لجولدا مائير فجميع الصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام الرسمية أكدت أنها أخطأت بعدم موافقتها على رفع درجة الاستعداد، وعدم استدعاء الاحتياطي، وهو من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها في هذه المرحلةواثبتت اللجنة خطأ رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي لعدم توقعه أو إعطائه لرأي يجزم بأن هناك حربا قادمة من مصر وسوريا ضد إسرائيل رغم ماحصل عليه من معلومات مموهه يوم 5 اكتوبر حول موعد الصربة ولم يصدقها الاسرائيليون !
*كاتب المقال: رئيس قطاع الأخبار الأسبق بالهيئة الوطنية للإعلام.