»» د. علي عجوة: القوة المعلوماتية والإعلامية هي الأقدر على تحقيق القيمة المضافة العالمية
»» د. هبة صادق: القوى الناعمة نجحت في التقريب بين الدول على المستوى الرسمي والشعبي
نظم المركز الثقافي الصيني بالقاهرة ندوة بعنوان “القوى الناعمة الصينية ودورها في توثيق العلاقات الصينية المصرية”.
تحدث في الندوة الأستاذ الدكتور علي عجوة، أستاذ العلاقات العامة والإعلان وعميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، ودكتورة هبة صادق الحلو، خبيرة العلاقات المصرية الصينية، وأدارها الأستاذ الدكتور الصاوي الصاوي أحمد، مؤسس ” الصالون الثقافي الصيني بالقاهرة.. الصين في عيون المصريين”.
أنواع القوة:
في البداية أوضح دكتور علي عجوة أن المهتمين بالعلاقات الدولية لا يختلفون على أن التاريخ الإنساني محكوم بالقوة، لكن أشكال القوة تختلف من عصر إلي آخر، فقد كانت القوة العسكرية هي الحاكمة في عصر المجتمع الزراعي، ثم بدأت القوة الاقتصادية تتعاظم لتصبح أبرز مظاهر القوة مع الانتقال إلي المجتمع الصناعي، واليوم يشهد العالم تحولاً حاسماً مع الانتقال إلي ما يسمي عصر المعرفة، بحيث أصبحت القوة المعلوماتية وتقنياتها والقوة الإعلامية هي الأقدر علي إنتاج القيمة المضافة العالمية. بل وأكثر من ذلك لم يعد بمقدور بلدٍ ما أن يكون قوياً عسكرياً واقتصادياً دون أن يتمكن من توظيف قواه الناعمة والتي من أهم مواردها وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال.
ولفت “عجوة” إلى أن أول من استخدم مصطلح “القوة الناعمة” هو ” جوزيف ناي” وكيل وزارة الدفاع الأمريكي في تسعينيات القرن الماضي كتعبير عن القوة التي تتمتع بها الآداب والفنون ووسائل الإعلام والدبلوماسية العامة “دبلوماسية الشعوب”؛ بهدف إحداث التأثير المطلوب علي الرأي العام الدولي ومحاولة تغييره بطرق وأساليب بعيدة عن القوة العسكرية والضغوط الاقتصادية.
كما أوضح أن القوة الناعمة ترتبط غالبا، مدا وجزرا، بصعود وانحطاط الأمم. الصين أمة ذات حضارة عريقة، وكغيرها من الأمم شهدت انحطاطا وصعودا في تاريخها الممتد لأكثر من خمسة آلاف عام، وانعكس ذلك على قوتها الناعمة وتأثيرها العالمي. وتعد الموارد البشرية والمنتجات الثقافية والإبداعية والإسهامات الفكرية أبرز عناصر القوة الناعمة الصينية، وقد لعبت هذه العناصر منفردة ومجتمعة الدور الأبرز في تشكيل قوة الصين الناعمة في المنطقة العربية.
في سنة 137 قبل الميلاد أرسلت الصين أول مبعوث لها إلى مصر، بهدف تمتين العلاقات معها. في ذلك الوقت، كان قد تشكل ما سُمي لاحقا بطريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري، وصار الطريقان الرابط الأهم بين الشرق والغرب، وانتقلت عبره إبداعات وأفكار وتقاليد الأمة الصينية. وكانت المنطقة العربية هي الحامل الذي نقل اختراعات الصين الكبرى الأربعة، الورق والبوصلة والبارود والطباعة، إلى أوروبا.
وفي فترة أسرة “مينغ” قام البحار الصيني تشنغ خه بسبع رحلات بحرية عبر المحيط الهندي، ووصلت سفنه إلى أصقاع عديدة في آسيا وأفريقيا. في القرن السادس عشر، مع الرحلات الاستكشافية البحرية الأوروبية، انعزلت الصين عن العالم، قبل أن تعود إليه في النصف الثاني من القرن العشرين قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وبحرية عظيمة، لتعيد اكتشاف قواها الناعمة.
فهم الصين للقوى الناعمة:
وتحدثت دكتورة هبة صادق موضحة أن الكتابات الصينية عن القوة الناعمة تشير بشكل متكرر إلي سور الصين العظيم, وأوبرا بكين, وحيوان الباندا’ وفنون الدفاع عن النفس, والنجم الرياضي “ياو مينج”, والنجم السينمائي”زانغ زي”, ولكن فهم الصين الرئيسي للقوة الناعمة يستند إلي حد كبير إلي الإطار المفاهيمي الذي اقترحه “ناي”, وأن أغلب المحللين الصينيين يلتزمون بتعريف ناي للقوة الناعمة علي النحو التالي””هي القدرة علي الحصول علي ما تريد من خلال الجاذبية وليس القسر أو الدفع”,كما يلتزمون في المقام الأول بالمقاييس التي حددها ناي” الثقافة,القيم السياسية, والسياسة الخارجية”,مع التأكيد في كثير من الأحيان علي مجالات لا يوليها “ناي” اهتماماً كبيراً,مثل الترجمة المتبادلة لأمهات الكتب الدولية.
وقد عرفتها بأنها “استخدام وتطويع كافة إمكانات الدولة وأدواتها الثقافية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية, لتصدير صورة جيدة عن الدولة لدي شعوب الدول الأخرى وذلك لخلق نموذج جذاب للدولة تستطيع من خلاله التسويق لأهدافها والترويج لسياساتها”.
العلاقات الثقافية بين مصر والصين:
يعتبر التبادل الثقافي بين مصر والصين من أهم أوجه العلاقات بين البلدين، ليس فقط في العصر الحديث وإنما في التاريخ , أيضاً وبالنظر إلي دورها الحضاري في كافة العصور, علي الجانب الثقافي, انتقلت إلي الصين العديد من الآلات الموسيقية المصرية القديمة, ومنها آلة موسيقي تسمي”جونق” أو “هابو” ظهرت في مصر قبل ثلاثة آلاف سنة, وكان حرير الصين مصدراً مهماً للمواد الخام التي استخدمت في صناعة الغزل والنسيج في مصر في العصور القديمة, فقد كانت ملابس كليوبترا تنسج من الحرير الصيني, ففي العصر الروماني كانت معامل النسيج في الأسكندرية تستخدم الحرير الصيني بعد أن استوعبت فن غزل ونسج الحرير من الصين, وكانت اواني الخزف الصيني هي ثاني أكبر صادرات الصين إلي مصر بعد الحرير, لدرجة أصبح معها اسم الخزف مرادف للصين فسميت الأواني الخزفية”الصيني”, وكانت أواني الخزف المصنوعة في الصين من النفائس في مصر, وقد لعب التبادل الثقافي دوراً هاماً كقوة ناعمة و تعزيز التفاهم والصداقة والتعاون بين الشعبين.
مصادر القوة الناعمة الصينية:
تتنوع مصادر القوى الناعمة وتأثيرها لكل دولة، وبالنسبة للصين فهناك العديد من مصادر القوة الناعمة التي لعبت دورا مهما في توطيد العلاقات الصينية المصرية.
ومن مصادر القوة الناعمة: الإعلام، وهناك تعاون إعلامي بين مصر والصين أخذ يتنامى في الفترة الأخيرة؛ بهدف إلقاء الضوء علي التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كلا البلدين, من أجل تعميق التفاهم المتبادل بين شعبي البلدين.
وما يوطد ذلك وجود العديد من المكاتب التمثيلية المقيمة في القاهرة, ومنها وكالة أنباء شينخوا, وصحيفة الشعب الصينية, وإذاعة الصين الدولية, والتليفزيون المركزي الصيني, بينما يوجد تمثيل مقيم لوكالة أنباء الشرق الأوسط في الصين, وفي عام 2004 افتتحت مجلة”الصين” مكتبها الإقليمي للشرق الأوسط في القاهرة.
ولفتت دكتورة هبة صادق إلى أنواع أخرى من القوى الناعمة استطاعت أن تقرب بين الدول على المستوى الرسمي والشعبي مثل، الثقافة والسياحة والرياضة والدبلوماسية الصحية، والرياضة، وفنون المطبخ، الموسيقى والفنون.
وأشارت دكتورة هبة صادق إلى لفتة راقية قامت بها مصر مساندة للصين في ذروة انتشار جائحة كورونا في عام 2020؛ حيث اتهمت الصين بأنها وراء انتشار الفيروس القاتل “كورونا”، حيث أضاءت مصر جميع المعابد والآثار المصرية بالعلم الصيني، وقامت مختلف المحطات التليفزيونية ووكالات الأنباء بنقل هذه اللفتة الإنسانية التي انفردت بها مصر وقتها، وهي لفتة تترجم مدى أهمية القوى الناعمة المشتركة بين البلدين الصديقين.
وخرجت الندوة في نهايتها ببعض المطالب من قبل المشاركين تمثل أهمها في زيادة التعاون بين مصر والصين في مجالات التعاون العلمي والصحي، وكذلك الترويج السياحي لكلا البلدين، وزيادة تبادل الزيارات الشعبية ووفود طلاب الجامعات للتعرف على مستجدات التطور الصيني في مجالات الصناعة والتطور التكنولوجي.