تمضي الحرب على غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في شهرها الثالث دون أن يحقق الجيش الإسرائيلي أي مكاسب أو نصرا عسكريا بالمعنى الحقيقي، فلم يجني سوى تدمير بيوت المدنيين العزل الأبرياء واستهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف في مشهد لم يره العالم من قبل، ويندى له جبين الإنسانية.
وكان وعد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو القضاء على حركة حماس وتحرير جميع الأسرى، إلا أنه وعوده سقطت على أوراق الشجر كقطرات الندى، ولم يتبقى سوى محاسبته على جرائمه التي ارتكبها في حق الشعب الفلسطيني.
كان يتصور أن الدخول البري سيكون بمثابة نزهة، وأن جيشه سيسطر على قطاع غزة في أيام أو ربما أسابيع قليلة، لكنه فوجئ بشبكة لا متناهية من الأنفاق مثلت كمائن مفخخة وأوقعت العديد من قواته، وجعلت مسافات الاشتباك قريبة ومن المسافة صفر بما يصعب معه الاستمرار في هذه المعركة، إذ أن حركة حماس صنعت شبكة أنفاق لا مثيل لها في العالم، مما حول المكاسب الاستراتيجية لصالحها في هذه المعركة مع العدو الإسرائيلي.
أما المفاجأة الأكبر فكانت هجمات جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) في منطقة البحر الأحمر ضد السفن المتجهة إلى دولة الاحتلال أو الخارجة منه. فقد استمرت الجماعة اليمنية في توجيه هجماتها ضد السفن التجارية التي تتجه أو تخرج من موانئ دولة الاحتلال في البحر الأحمر، مما يكبد دولة الاحتلال خسائر اقتصادية فادحة، وهذا هو هدف “الحوثيين” دعما للمقاومة حتى تنتهي الحرب على غزة.
فلم يتوقع جيش الاحتلال، ومن يسانده من الدول الغربية، فتح جبهة جديدة تستهدفه في منطقة مياه البحر الأحمر.
وفي ظل استمرار هجمات “الحوثيين” في البحر الأحمر فإن الاقتصاد العالمي أصبح مهددا وتخشى شركات الشحن ونقل الحاويات المرور من البحر الأحمر، والبحث عن ممرات بديلة كطريق رأس الرجاء الصالح الذي يزيد من طول زمن الرحلة والتكلفة الاقتصادية؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر ضد هجمات “الحوثيين”.
وحتى الآن انضم ١٠ دول إلى هذا التحالف الدولي من بينهم دولة عربية وحيدة هي مملكة البحرين، رغم أن أمريكا تخطط لضم 40 دولة إلى التحالف.
ولكن السؤال، هل سينجح هذا الحلف في مهمته، علما بأن هجمات “الحوثيين” البحرية في منطقة البحر الأحمر لم تكن الأولى، فقد تكررت خلال السنوات الأخيرة ضد أهداف أمريكية مماثلة؟!!
إن تكوين تحالف دولي بقيادة أمريكا ضد جماعات وحركات راديكالية لم يكتب له النجاح من قبل، فالتحالف الدولي المكون من ٣٦ دولة لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي لم ينجح في القضاء على “داعش”، ولم تنجح أمريكا في الصومال، ولم تنجح في العراق، وام تنجح في سوريا، ومنذ عامين جرت ذيول خيبتها من أفغانستان بعد مكوثها ٢٠ عاما دون أن تحقق أي من أهدافها، ناهيك عن هزيمتها في فيتنام من قبل كل ذلك.
حتى الآن، لم يكتب النجاح لأي تحرك أمريكي أو تحالف بقيادتها في أي مكان، فالهزيمة كانت هي النتيجة والعنوان، ولم يجنى من وراء ذلك سوى تدمير تلك الأماكن وتركها مخربة لشعوبها.
وفي حالة البحر الأحمر، فإن الوضع مختلف تماما، إذ أن الحسابات متشابكة ومتشعبة، فالولايات المتحدة تكون أسطولا بحريا في منطقة البحر الأحمر بحجة حماية الممر المائي الذي تمر منه نسبة كبيرة من التجارة العالمية، وخاصة النفط والغاز المسال، حيث يعتبر البحر الأحمر أقرب منفذ آسيوي لأوروبا، وبالتالي يقلل من تكلفة النقل. فجماعة الحوثيين مدربين على مستوى عال إلى أن تمكنوا من تشكيل قوة بحرية مدربة على مستوى عالى، علاوة على إقامة ورش لتصنيع الطائرات المسيرة (بدون طيار)، كل ذلك بدعم لوجستي وعسكري من إيران، وهو دعم معلن وليس في الخفاء.
وبالرغم من الحرب التي يقودها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ضد “الحوثيين” منذ ٢٦ مارس ٢٠١٥، إلا أنها لم تفلح في القضاء على “الحوثيين”، ورغم الخسائر والأزمة الإنسانية الفادحة في اليمن بسبب تلك الحرب، إلا أن “الحوثيين” هم الفائزين في تلك المعركة، للأسف الشديد.
وبالتالي، فإن تشكيل حلف جديد لم لمواجهة “الحوثيين” في منطقة البحر الأحمر سيكون له مخاطره العالية، لأن المواجهة ستكون أشبه بحرب العصابات في منطقة مائية لها حسابات أخرى في الحروب، ناهيك عن تحول الأمر إلى صراع دولي وإقليمي في منطقة البحر الأحمر، كل دولة حسب مصالحها.
في نهاية الأمر يجمع المراقبون على فشل أي تحالف بقيادة أمريكا ضد “الحوثيين”، وإلا كانوا فعلوا ذات الأمر خلال حرب الثماني سنوات من قبل التحالف العربي، وأعادوا الشرعية اليمنية وحاسبوا “الحوثيين” على جرائمهم التي ارتكبوها ضد حقوق الإنسان من تعذيب وسجن اليمنيين المحسوبين على النظام الحاكم الشرعي.
إن الهدف الأمريكي في الأساس يأتي لدعم وحماية دولة الاحتلال الإسرائيلي في مواجهته مع “حماس”؛ ولهذا أعلنت جماعة الحوثيين أن البحر الأحمر آمن، وأنها لا تستهدف سوى السفن التي يثبت علاقتها بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
إذن، بتبقى على أصحاب التحالف الذي ينوي حماية منطقة البحر الأحمر أن يتجه لإنهاء الحرب على غزة، بدلا من تضييع الوقت وخلق جبهات فرعية للنزاع لا ندري إلى أي نتيجة تقودنا.
الأمر الذي يستحق الدراسة والبحث عن وجاهة أسبابه هو عدم استجابة الدول المتشاطئة في البحر الأحمر للانضمام إلى الحلف الأمريكي، بما يفسر بشكل واضح مراهقة التصرف الأمريكي وأنه لا يصب في مصلحة هذه الدول، وإدراكهم لسذاجة الطرح، ناهيك عن أن دولة مثل مصر تقوم بدور كبير وواجب أكبر في حماية المجرى الملاحي الدولي حماية لمصالحها ومصالح الغير، كما تدرك أبعاد أي مغامرة غير محسوبة؛ لذلك فإن مصر قادرة على حماية منطقة البحر الأحمر والسيطرة الكاملة على تلك المنطقة الاستراتيجية ولن تسمح للمساس بها. إذن هناك، أهداف أخرى غير معلنة من الطرف الأمريكي، وكما ذكرت سلفا إنها دعما ومساندة للطرف الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني.
الحسابات الأمريكية تحتاج إلى مراجعة دقيقة، وأخذ العبرة من التجارب القديمة التي قادتها أمريكا ولم يكتب لها النجاح.. فمن سيتحمل نتيجة فشل التحالف الدولي الجديد الذي تقوده أمريكا في البحر الأحمر ؟!! وهل مواجهة جماعة مثل “الحوثيين” في اليمن إلى تحالف عسكري مكون من ٤٠ دولة ؟!!
اذا انتهت الحرب على غزة سينتهي كل شئ، ولن يكون أمام “الحوثيين” مبرر لهجماتهم، ولن نكون بحاجة إلى تحالف دولي أو غيره.
حماية وأمن البحر الأحمر تأتي من وقف العدوان الإسرائيلي على غزة.. هذا هو الحل الأسرع والأمثل.