“الصراع في منطقة الشرق الأوسط هو صراعٌ بين نصف اللـه ونصفـهِ الآخر …” هنري كيسنجر .
هل هو حقّـاً نصفُ اللـه الذي يتقاتل مع نصفه الآخر في منطقة الشرق الأوسط …”
هل هي حـربٌ صليبّيةٌ يخوضها الأباطرةُ الأوروبيّون بناءً على توجيه الكنيسة الكاثوليكية لاستعادة الأراضي المقدسة من سيطرة المسلمين …؟
أو هي حـربٌ بين ملك العرب هارون الرشيد ، و”نقفور” ملك الـروم …؟
أو هي معركة “دي قـار” بين العرب والفرس ، أو هي حرب المسلمين على الخلافة …؟
وإلاّ … فكيف أنّ أمـمَ الأرض قاطبةً قد تجيّشتْ متواجهةً في الإنخراط الميداني الأمامي ، والميداني الخلفي ، في معركة الإبادة التي يشنّها الكيان الصهيوني على قطاع “غـزة” …؟
لماذا ، هذه المنطقة التي إسمها : منطقة الشرق الأوسط تظلّ عبر التاريخ دون كلّ جغرافية الأرض ، منطقةً بركانيةً تتفجّـر فيها الحروب ، بين نصفَي اللـه حيناً ، وبين أحـد نصفيهِ حيناً آخـر …؟
لماذا منطقة الشرق الأوسط تحتوي هي كلّ أنواع الحروب ، وتظلّ فيها أصابع الحكّام والشعوب مستنفرةً على زناد البنادق ، وتظلّ الحياة في صراعٍ دائم مع الموت …؟
ولماذا هذه المنطقة من دون غيرها تترنّح اليوم على أسنّة الحروب الأربع :
الحرب الساخنة ، والحرب النازفة ، والحرب الباردة ، وحرب الممرّات …؟
الحرب الساخنة تلتهب في فلسطين المحتلّة على جبهة متواجهة بين الطغيان والحـق …؟
والحرب النازفة تلتهب على جبهة لبنان الجنوبية بين الكيان اللبناني والكيان الصهيوني …
والحرب النازفة تلتهب بين اليمن واليمن وبين السودان والسوادان … وهناك الحروب الجزئية المتقطعة في العراق ومن العراق وعلى العراق ، وفي سوريا ومن سوريا وعلى سوريا …
ولا يلوحُ لك نظـرٌ في فضاء عربي حتى يبهركَ فيه صاروخٌ ناري ، ولا تحـطّ لك قـدم على أرض حتى يرعبك دويّ انفجار ، ولا تلحظُ ممّـراً أو مضيقاً في الجغرافيا ، إلا كان معبراً للحرب .
الممّرات ، هي الشريان الحيوي للمصالح الإقتصادية الدولية التي تسبّبت بالحرب العالمية الأولى .
والحرب العالمية الثانية عُرفَتْ بحرب الممرَّات لتمكين إلمانيا من الوصول إلى البلطيق .
وحـرب الممرّات الثالثة سنة 1956 شنّتـها إنكلترا وفرنسا وإسرائيل على دولـة مصر نتيجةَ إغلاق قنـاة السويس .
وهكذا كان “مضيق هرمـز” سبب الحرب بين إيران والعراق ، “وباب المندب” الذي يوزّع الذهب الأسود على أكبر مجموعةٍ دولية ، نرجو إلاَّ يكون باباً للحرب في البحر الأحمر .
الممـرّ ، أيُ مـمرٍّ ، هو المنفذ الحيوي والحياتي للأمـمِ والأفراد ، فالحياة مـمرٌ إلى حساب الآخرة ، ويوسف الصدّيق لو لم يكنْ منفذٌ ومـمرٌّ للبئـر التي أُلْقـيَ فيها لمَـا انتُشِلَ منها ليُغدقَ المواسم على دولة فرعون .
ويبقى أن يهتدي لبنان إلى منفذٍ لينتشل نفسه من البئر ، وإلى مـمرٍ للعبور على طريق بعبدا .
هذه الحروب الساخنة والباردة التي تستنزف دول منطقة الشرق الأوسط على مـدى تراكمُ السنين في القرن الواحد والعشرين ، إنْ هي كانت بلا أفـقٍ ، متفلِّتـةً من الروادع الأخلاقية والدينية والقانونية والإنسانية ، فقد تستمر حتى الرمـقِ الأخير .
يقول الفيلسوف الألماني “هيغل”: “الحرب تجربـةٌ عظيمةٌ للشعوب ، لأنـه بالحرب : إمّـا أنْ تؤكِّـدَ الشعوبُ حرِّيتَها وإمّـا أنْ تسقط في العبودية …”
السؤال التاريخي : هل أدَّتْ الحروب للشعوب في منطقة الشرق الأوسط إلى الحريةِ أو إلى العبودية …؟
إننا ننتظر الجواب .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.