الحديث عن أخلاق الصائمين حديث دائم متجدد، فلا يخلو عام إلا ويكثر حديث الخطباء والوعاظ والآباء والأمهات عن تذكير من في مسؤولياتهم عن تلك الأخلاق التي يجب أن يتمتع بها المسلم في شهر رمضان المعظم.
ولا يقتصر الالتزام بالأخلاقيات في شهر رمضان، فحسب، بل على مدار شهور العام، ولكن يكون شهر رمضان فرصة كبرى ليغتسل الإنسان من ذنوبه ومعاصيه؛ ليبدأ صفحة جديدة في حياته مع الحق -تبارك وتعالى- ومع الناس، ولهذا كان وعد الحق -تبارك وتعالى- لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا أن يغفر له ما تقدم من ذنبه، وهو ما بشرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف حين قال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه”.
ومن هنا كان حرص المسلم على الحفاظ على صيامه بانتهاج الأخلاق الطيبة، تاركا الفواحش من الكلام والأفعال أثناء الصيام، ولعل هذا تدريب وتعود لما بعد رمضان.
فيحرص كل منا على أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها في المساجد، وكذلك الصلوات المسنونة والنوافل؛ بما تقرب العبد من ربه وتزيد في قلبه الخشوع تجاه الله والرحمة تجاه البشر. كل هذا لا يمكن أن يكون إلا لمن تمتع بأخلاق الدين الحنيف ملتزما بسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه الحميدة التي أكدها الحق -تبارك وتعالى- في قوله في سورة القلم “وإنك لعلى خلق عظيم”.
وللأسف الشديد، لقد شاهدنا وعايشنا في السنوات الأخيرة هبوطا حادا في أخلاقيات الأفراد في تعاملاتهم الحياتية، حتى أصبحت تلك الأخلاق السيئة سمة من سمات المجتمع!! ومن تلك الشواهد تعامل الأهل والأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، حتى انتقلت تلك الأخلاق إلى ما ينقله الإعلام من برامج ترفيهية وأعمال درامية وإعلانية تخالف تقاليد المجتمع وعاداته التي حرص على ترسيخها وصياغتها في صورة الأخلاق القويمة.
فمازلنا نتحدث كل عام عن أعمال الدراما التليفزيونية التي تتبارى القنوات التليفزيونية في بثها في شهر رمضان المعظم الذي له خصوصية وحرمة مغلظة عن بقية شهور العام، فهو الشهر الذي ترفع فيه أعمال المسلمين جزاء لهم عن صيامهم وأعمالهم… وخلال السنوات الأخيرة يفاجئنا كتاب الدراما ومخرجيها بأعمال ليس تتنافى مع طبيعة الشهر الفضيل، فحسب، بل مع طبيعة أخلاق المجتمع ذاته في غير شهر رمضان، فنرى نفس الحوار المتدني حاملا عبارات تتضمن إيماءات الغريزة والشهوة، ومشاهد العري بين النساء والرجال، في الأساس هي مرفوضة في أي سياق يتم عرضه على شاشة تجمع الأسرة أمامها، ناهيك عن أعمال البلطجة والعنف والقتل، والتفكير في أنماط سلوكية جديدة تمثل رافدا من روافد التعليم السلبي لدى النشء الذي نعده ليتسلم راية الغد.
وعند المناقشة لا يجد أصحاب تلك الأعمال إلا حجتهم الواهية بأنهم يجسدون وينقلون ما يحدث في المجتمع، وكأننا لا نعيش معهم في هذا المجتمع أو أن المجتمع تحول إلى مجتمع من البلطجية ومرتكبي القتل والعنف وأعمال الدعارة؛ ولم يبق سوى تجسيد هذه الأخلاقيات المشينة في أعمال درامية في شهر رمضان. وإذا افترضنا صحة جزء مما يقوله هؤلاء، فأين المعالجة الدرامية لهذه السلوكيات المشينة ليتم تقديم العمل في قالب اجتماعي أو تاريخي يخرج منه المشاهد بالفائدة المرجوة؟!
لم يقف الأمر عند المسلسلات وبرامج الترفيه والمقالب التي لا تقدم إلا إسفافا وأعمالا يعاقب عليها عقد اجتماعي (ضمني) لهذه السقطات التي لا يمحوها التاريخ. ففي أزمنة حافظت على قيم المجتمع، رأينا أعمالا درامية نجحت في جمع الأسرة المصرية والعربية أمام شاشات التليفزيون ليتابعوا أعمالا جمعت بين الهدف والقيمة، وكانت الشوارع خالية تماما في توقيت إذاعة تلك الأعمال، ومنها نذكر: رأفت الهجان، وليالي الحلمية، والشهد والدموع، والراية البيضاء، وزيزينيا، والوسية ، وغيرها من الأعمال التي ما زالت محفورة في ذهن المشاهد.
حتى الفوازير والبرامج الترفيهية كانت هادفة وتقدم المعلومات في إطار من الكوميديا المباحة التي لا تؤذي أصحابها أو المشاهد، ومن تلك الأعمال فوازير “عمو فؤاد” التي كان بطلها الراحل فؤاد المهندس، وفوازير “جدو عبده” للراحل عبد المنعم مدبولي، وفوازير فطوطة للراحل سمير غانم، وكانت البرامج الترفيهية هادفة مثل برامج “يا تليفزيون يا”، و”كلام من ذهب”، و “بدون كلام”. كانت كل هذه الأعمال تقع في خانة أعمال المنوعات التي تهدف إلى التسلية والترفيه في إطار كوميدي ضاحك دون أن تؤذي مشاعر المشاهدين، محافظة على كرامة من يقدمونها، على غير الموجود حاليا من التلفظ بألفاظ والاستهزاء بضيوف برامج المقالب والحط من كرامتهم.
لم يقف الأمر عند الأعمال الدرامية وبرامج الترفيه والمقالب، فقد امتد إلى الإعلانات التي لم تراع القيم التربوية، ورأينا إعلانا لأحد المطورين العقاريين يروج لمشروعه الجديد بفتاة إعلانات لا يمكن تصنيف إعلانها إلا أنه أحد أنواع إعلانات الميوعة وإثارة الغرائز ( البورنو ).
انحرفنا بأخلاقنا كثيرا، في شهر رمضان وفي غير رمضان، عن قيم المجتمع وذوقه العام الذي يحدد مسار هذه الأخلاق… فهل من طريق للعودة؟! أتمنى من الحكومة التفكير في إنشاء جهاز خاص بوضع أكواد أو مدونة سلوك أو ميثاق شرف لكل الأعمال الفنية والإعلانية، وأن يكون لهذا الجهاز صلاحية توقيع الجزاء المناسب لكل عمل مخالف.