يقولون : إنّ في اللُّغة العربية 250 إسماً للناقة ، و200 إسمٍ للحيّـةِ : ولو شاء علماءُ اللّغـةِ والقانون أنْ يُحْصوا ما بلغَـهُ عـدد أسماءِ الحوار عندنا ، لكان تخطّى أسماءَ الناقـةِ والحيَّـةِ وسائر أنواعِ الإبْـلِ والأفاعي . منذ أنْ كان الحوارُ الأوّل بين الحيّـةِ وحـوّاء في الفردوس ، كان ذلك السقوط الصاعق من الجنّـةِ إلى النار …
وإذا كان الله قد فتَـح بـابَ الحوار مع إبليس – “كما جاء في القرآن –”، كمثل ما خاض المسيح حواراً شرِساً مع الشيطان في تجلِّيـهِ على الجبل …
إلاّ إنّـهُ لم يسبَقْ أنْ كان حـوارٌ بين الشياطين والشياطين في جهنَّم . لنفترض : أنّـه تـمَّ الإتفاقُ على الحوار بفعْلِ ضَـربَـةِ شمسٍ أوْ حرارةِ في الرأس ، فعلى أيِّ رئيس يتَفـقُ المتحاورون ، ما دام الإستحقاق الرئاسي أصبح أشبهَ بالمستحيل ، يُضافُ إلى المستحيلاتِ الثلاثة عند العرب : “الغـولُ والعنقاء والخُـلُّ الوفي …”
أيُّ جدوىً بعدُ ، من المساعي الدولية عبر اللجنـة الخماسية ، أو عبرَ “شكراً قطـر” حين يبشّرنا الموفد الفرنسي “جـان إيف لودريان” بأنّ “لبنان السياسي قد انتهى” … وأيُّ دواءٍ ينفـع المريض الرئاسي وهو في حالةِ الموت السياسي …؟
طرحتُ في مقالٍ سابق : أنْ يبادر المجلس النيابي إلى حـلِّ نفسه ، أو أنْ يدعو إلى انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرة ، وهو العلاج الأجدى للمرض الدستوري المستعصي ، فلم أسمع أحداً من القيادات المعنيّـة قـدْ استجاب برمشةِ جفـنٍ لهذا الطرح ، ما دامت القاعدةُ الثابتةُ للقيادات الثابتة : أنا .. أوْ لا أحـد .. أنا … ومن بعدي الطوفان …
طوفانٌ واحـدٌ قـدْ أدّى إلى حـرب … فكيفَ إذا كان هناك طوفانانِ إثنان معاً … وإلاّ قولوا مع المثلِ الفارسي : “إذا صمَّمتَ أن تكون مع نـوح فعليكَ ألاَ تخافَ من الطوفان ..”
أبـرزُ ما لفتَـني أخيراً ، قـولٌ لغبطةِ البطريرك الماروني ، وهو يدعو السياسيين في إحدى عِظاتِـهِ “إلى استلهام الروح القُدس لإنجازِ الإستحقاق الرئاسي …”
وأبـرزُ عِظـةٍ في المقابل للفيلسوف الفرنسي “فولتير” حين يقول : “إنّ الرؤوسَ المصابَـةَ بالتعصُّب تصبح أمامها القوانين عاجزةً ، لأنّ المتعصّبين يقتنعون بأنَّ الـروحَ القُدس يتمثّلُ فيهم …”
لقد تعبَتْ يـدُ البطريرك الماروني وهي تقـرع الأجراس ، ولكنَّ المهمّ أن يؤدي قـرْعُ الجـرس إلى قيام القدّاس ، فيما الأجراسُ عندنا غالباً ما تُقْرعُ للجنازات لا للقداديس.
إلى أيِّ حـوارٍ يدعون …؟ وعلى ماذا يكون الحوار …؟ على رئاسةٍ منتهكةٍ بالتحرُّش الدستوري …؟ على سيادةٍ في سوق العبيد، على دستورٍ مغدور ، على جمهوريةٍ قيـدَ الدرس ، على دولة الرجل المريض ، على وجود لبنان التاريخي والديمقراطي ، في لبنان… أو على وجود لبنان اللبناني في لبنان … ووجود لبنان الرسالة على الخريطة الكونية : العربية والدولية …؟
وكيف يكون الحوار …؟ ما دامت الأسنان التي تضحك هي نفسها الأسنان التي تعضّ …؟
لقدْ جعلوا ، من هذه الجمهورية جثَّـةً بلا رأس ، وبـات يتوجّبُ أن يركّبوا عليها رأساً ، حتّى ولو كان رأس الملك الفرنسي لويس السادس عشر ، الذي قطَعَتْـهُ الثورةُ الفرنسية بالمقصَلة …
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.