هل ستنجح مناورات نتن ياهو لجر أمريكا و إيران إلى حرب مفتوحة ؟ و منشآت إيران النووية على المحك … كيف ستحميها و تثأر لهيبتها ؟
حادثتان متتابعتان لم تفصل بينهما إلا بضع ساعات كشفتا عن اختراق أمني و استخباراتي خطير لمحور المقاومة، الأولى هي اغتيال القائد المركزي الميداني الأول في حزب الله “فؤاد شكر” في الضاحية الجنوبية لبيروت، والثانية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “اسماعيل هنية” في طهران.
اختراق هذه المرة شديد لأنه مس السيادة الإيرانية مباشرة واستهدف قيادات الصف الأول سواء في حماس أو في حزب الله، كما أن الدقة في تنفيذ عملية اغتيال شخصية كبيرة كاسماعيل هنية الضيف داخل غرفته بمبنى الحرس القديم بالعاصمة الإيرانية ، يعني أن المقاومة لم تعالج الثغرات الأمنية التي انكشفت منذ سنوات.
سياسة الاغتيالات و تصفية الشخصيات الوازنة ليست جديدة على إسرائيل، فهي تنتهجها منذعقود، لكنها أخذت طابعا تصاعديا منذ سنوات، و هنا نستذكر شخصيات ك”قاسم سليماني” و “محسن فخري زاده” و “صياد خدايي” و “صالح العاروري” و “أحمد الجعبري” و “الشيخ ياسين” و القائمة طويلة، وقد ازدادت وتيرتها بعد السابع من أكتوبر.
بالنظر إلى تراتبية الأحداث الأخيرة منذ زيارة نتن ياهو إلى الولايات المتحدة ثم قصف مدنيين سوريين في قرية مجدل شمس بالجولان المحتل، ثم اتهام حزب الله بهذه الجريمة، وعلى إثرها اغتالت إسرائيل “الحج محسن” وبعده “اسماعيل هنية” ، يتضح لنا أن إسرائيل التي ماطلت في المفاوضات تخطط لتوسيع الحرب وجر إيران إليها بشكل مباشر، فهي لم تدع لها أي مجال للمناورة في الرد.
و هنا نسأل لماذا تريد إسرائيل الاشتباك مع إيران مباشرة ؟ باعتقادنا أن تعقد المشهد و تشابك تفاصيله بعد “طوفان الأقصى” لم يشوش على أولويات الكيان المحتل، فهو يضع الملف النووي الإيراني ولا يزال على رأس أولوياته ، لأنه يشكل الخطر الوجودي الحقيقي عليه، وما تصريحات وزير الخاريجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” خلال منتدى الأمن في كولورادو مؤخرا بأن “إيران قادرة على إنتاج مواد انشطارية لصنع قنبلة نووية خلال أسبوع”، إلا جرس إنذار للكيان من أجل التحرك سريعا، لذلك تم الاعتداء على طهران و أصبحت هيبتها وسيادتها على المحك.
ولقد سبق لإسرائيل أن استهدفت مفاعل تموز العراقي عام 1981، ومفاعلا سوريا قيد الانشاء بحسب اعترافاتها عام 2018. كيف سيكون شكل الرد الإيراني على إسرائيل ؟
لقد وقعت طهران في مأزق كبير بين خيارين صعبين فإما الرد الموجع الرادع لإسرائيل الذي سيعقبه حتما تدخلا أمريكيا لحماية حليفته، فتنزلق الأوضاع إلى حرب اقليمية كبيرة هي لا تريدها، أو خيار الرد الخجول المحدود لحفظ ماء وجهها، و لكنه في المقابل سيضر بصورتها و هيبتها و يفتح شهية إسرائيل للتمادي في اختراقها بشكل أكبر.
هناك حقيقة مهمة لا يجب إغفالها في بناء تكهنات الرد وهي أن إيران بالرغم أنها دولة إقليمية كبيرة ومؤثرة في محيطها الحيوي، إلا أنها في ميزان القوة لا تستطيع مواجهة القوة الأمريكية والغربية التي ستعتمد عليها إسرائيل أساسا في أي مواجهة محتملة، فإيران ليست قوة عالمية، كما أن أولويتها هي حماية مشروعها بأبعاده المختلفة، و إن كان الثأر لسيادتها وضيفها واجبا.
بقراءة واقعية يمكن القول إن إيران لا تريد حربا مفتوحة يسقط فيها مدنيون أو يكون مشروعها النووي ثمنا لها، لكن ردها يجب أن يكون رادعا للكيان و ذا طابع استخباراتي يكسر الخطوط الحمراء الإسرائيلية بالمثل، حتى يعيدها إلى قواعد الاشتباك السابقة.
حسن نصر الله قال : “سيكون الرد حتميا و مدروسا و حقيقيا غير مفبرك”، و أضاف “إننا دخلنا في مرحلة جديدة وهي معركة كبرى تجاوزت مرحلة الإسناد”، ما يعني أن الهجوم ربما سيكون متزامنا بين كل جبهات المقاومة بما فيها اليمن والعراق، أو ربما بشكل منفصل في حرب استنزاف مفتوحة من سبع جبهات، و قد حذر منها خبراء عسكريون صهاينة و أمريكيون لأن خسارة الكيان فيها ستكون مدوية.
بالرغم من المساعي الأمريكية لاحتواء التصعيد و عدم الرغبة في حرب شاملة لاعتبارات عديدة منها الإنشغال بالانتخابات الرئاسية و الخوف من استهداف مصالحها في المنطقة و الانشغال بالصراع مع الصين و روسيا وهما الأهم بحسب الأدبيات الأمريكية، إلا أنها كما أسلفت ستجد نفسها مضطرة للدفاع عن إسرائيل لأنها ملتزمة بحمايتها مهما كانت الظروف ، و بالفعل وصلت حاملة الطائرات الامريكية روزفلت الخليج العربي محملة بتسعين طائرة و مروحية و بأحدث أجهزة التشويش على الرادارت.
الرابح الرئيسي في هذه الحرب هو نتن ياهو الذي نجح في خلق أزمات متعددة تطيل عمره السياسي و تعطل أي اتفاق للتهدئة و تغطي على فشله في تحقيق أهداف الحرب على غزة من القضاء على حماس و استعادة الاسرى.
في النهاية لن يصح الا الصحيح وستبقى غزة الأبية هي البوصلة و هي المفتاح الحقيقي للتهدئة في المنطقة و إن أنكر النتن ياهو ذلك.
*كاتبة المقال: إعلامية جزائرية.