النحَّاس باشا وبرتقال “يافـا”

آخر تحديث : الجمعة 23 أغسطس 2024 - 9:10 صباحًا
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

من طرائف التاريخ ، أوْ مِـنْ حسناتهِ أو مِـنْ سيِّئاته ، أنَّ بعض القيادات العربية الكبرى كانتْ تخلِـطُ بين مُـدُنٍ في لبنان ومُـدُنٍ في فلسطين.

رئيس الوزراء المصري مصطفى النحَّاس باشا كان يَسْتقي معلوماته عن لبنان بواسطة تقارير المفوضية المصرية في بيروت ، وقد روى الوزير والصحافي عبدالله المشنوق ، أنّـه زار القاهرة مع عمر الداعوق وحسن القاضي كوفـدٍ مقاصدي ، وحين التقى أعضاءُ الوفد النحّاس باشا رئيس الوزراء المصري سأَلهُم : كيف برتقال بلدة “يافـا” عندكم ..؟ فـرّد عبدالله المشنوق باسماً : إنّ برتقال “يافـا” يا صاحب الرِفعة هو في فلسطين وليس في لبنان (1).

هذا كان في أوائل الأربعينات ، وقبل أن تتعرّض فلسطين للإحتلال الصهيوني … وليس ما يَضـيرُ لبنان ، وفلسطين اليوم تعاني أرهب المجازر ، أنْ يخلِـطَ الباشا بين برتقال “يافـا” وبرتقال لبنان.

ومن المفارقات المصرِّية الباشاويّة ، أنّ نابوليون بونابرت ، حين انتقل من سيناء مصر إلى غـزَّة سنة 1799 قضى فيها بضع ليالٍ في قصـرٍ يحمل إسمَـهُ ، وقدْ حوَّلتْـهُ حركةُ حماس سنة 2010 إلى متحفٍ ليصبح إسمهُ متحف قصر الباشا.

على أنّ بين لبنان وفلسطين علائق تاريخية حميمة وغيـر باشاويّة ، منذ القرن السابع عشر على الأقلّ ، فهي احتضَنَتْ أدباءَ لبنانيين وشعراء أنشدوا فيها المفاخِمَ ، وكتبوا في كنَفِـها الملاحم ، واحتضنَ لبنانُ في المقابل مئاتِ الألوف من اللاّجئين الفلسطينيين ، فكان منهم العديد من الأدباء القلائل ، وكان العديد من المنظَّمات الفصائل.

ولم يكن يعرف الباشا ، أنّ هناك حقباتٍ مشتركة من التاريخ بين المُـدِن اللبنانية والفلسطينية ، إذْ عندما دخَلتْ مدينة عكا ومدينة حيفا سنة 1605 ضمن حدود الأمير فخر الدين ، انتزع فخر الدين مدينتَي صيدا وصور من الأتراك سنة 1607 ، وضـمّ إليهما مـدن : الناصرة وصفد وطبرّيـة ، في مواجهة قاسيةٍ مع العثمانيين ..(2)

ولم يكن يعرف الباشا أنّ النائب اللبناني جورج عقل قـدّم في 25 تموز 1944 اقتراحاً إلى المجلس النيابي يرمي إلى مواجهة كـلّ محاولةٍ لإنشاء وطـن قومي صهيوني في فلسطين ، وتـمّ إبلاغُ هذا الإقتراح إلى السفارات الأجنبية في لبنان.

وعندما صـدر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقسمة فلسطين إلى دولتين ، قامت في لبنان مظاهرات شاجبة ، وقـرّر المجلس النيابي في 5 كانون الأول 1947 تقديم اعتراض صارم على قـرار تقسيم فلسطين ، وقـدّم كـلٌّ من النواب والوزراء معاش شهر إلى صندوق الإعانة الفلسطيني(3).

هذا ليس من قبيل التمنين بالجميل ، بل لتذكير مختلف الباشاوات العرب وغير العرب ، بأنَّ لبنان كان منذ بداية الأطماع الصهيونية في فلسطين ولا يزال يحمل القضيّة الفلسطينية على منكبيه حتى الرزوح ، ويدفع الأثمان الغالية حتى الشهادة ، فيما الكثيرون ما زالوا يتطلّعون إلى برتقال “يافـا” على أنّـه في لبنان.

والحقيقة : أنّ لبنان باتَتْ لديـه حساسية برتقالية مرتعشة ، سواء حيال برتقال الباشا في “يافـا” أو حيال برتقال الباشا في لبنان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 – بشارة الخوري : الجزء الأول – وليد عوض – ص : 253.

2 – جيوفاني ماريتي : (Mariti) : تاريخ فخر الدين أمير الدروز : ترجمة بطرس شلفون.

3 – كتاب النيابة في لبنان : فؤاد الخوري : ص : 162 – 206.

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2024-08-23
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر