في تونس جمهورية جديدة

آخر تحديث : الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 1:17 مساءً
 بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

تشهد تونس حراكا سياسيا “مكتوما” بين السلطة والمعارضة وجمهور يتابع حلبة “الصراع الصامت” الذي يُحسم فيه المشهد لصالح النظام؛ لأسباب متعددة، أبرزها الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني بعد أن ذاق الشعب التونسي ويلات “ثورة الياسمين” في العام 2011، وما تبعها من أحداث ونتائج ما زال يعانيها حتى اللحظة.

كانت تونس هي المحطة الأولى في رحلة ما عرف بـ”الربيع العربي” التي انتشرت في عدد من الدول العربية، وذاقت تونس ويلات الحكم الإخواني التي سرعان ما قضى عليها الشعب ليختار اختيارا، أي كانت مرارته، فلن يصل إلى مرارة هذا الحكم الكهنوتي.

وفي الخامس والعشرين من أغسطس الجاري، استيقظ التونسيون على تعديل حكومي (مفاجئ) هو الأوسع من نوعه في العهدة الرئاسية للرئيس قيس سعيد، منذ توليه السلطة في عام 2019، حيث أجرى تعديلا حكوميا شمل 19 حقيبة وزارية، بعد إقالته لرئيس الحكومة السابق أحمد الحشاني في السابع من أغسطس الجاري، وأتى بكمال المدوري والذي كان وزيرا للشؤون الاجتماعية في “حكومة الحشاني”.

إذن، نحن هنا أمام تعديلين للحكومة في شهر واحد لا يفصل بينهما سوى 18 يوما. وأثار هذا التعديل الوزاري تساؤلات وتفسيرات عدة من قبل المواطنين والسياسيين بمختلف تياراتهم؛ نظرا للمفاجأة وحجم التغيير الواسع، والأهم هو توقيت هذا التعديل الذي يسبق الانتخابات الرئاسية بأسابيع قليلة، حيث من المقرر إجراؤها في السادس من أكتوبر المقبل.

فقد أبرز المعارضون أسبابهم حول هذا الإجراء، والذين يرونه خطوة استباقية ضمن حملة انتخابية مبكرة للرئيس قيس سعيد، حيث تنطلق الحملات الانتخابية للمرشحين في 14 سبتمبر 2024 حتى 4 أكتوبر 2024 (حيث موعد الصمت الانتخابي قبل عملية الاقتراع بيومين كاملين).

ويفسر المعارضون تلك الخطوة بأن “سعيد” يهدف إلى البقاء في السلطة، في ظل الاتهامات المستمرة من قبل المعارضة للرئيس سعيد والهيئة العليا للانتخابات بالتضييق على المرشحين وإقصائهم بشكل متعمد؛ ليبقى الطريق خاليا أمام “سعيد” من أي منافسة حقيقية، ما يضمن له الفوز بولاية رئاسية جديدة.

ويستشهد فريق المعارضة هنا بما حدث مع عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر، والتي تقدمت بترشحها للرئاسة، إلا أنه حكم عليها بالسجن لمدة عامين بسبب انتقادها لأداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وفي المقابل قبلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ملفات ترشح كل من زهير المغزاوي النائب السابق وزعيم حزب الشعب، والعياش زمال النائب السابق وزعيم حزب حركة عازمون. وهو ما يعني أن سباق الانتخابات الرئاسية سينحصر بين الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد وكل من زهير المغزاوي والعياش زمال؛ مما يؤكد فوز قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وتستمر المعارضة في تفسير وإبراز الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها “سعيد” لتحميله فشل الحكومات المتعاقبة في عهده بيده؛ حيث أن الدستور الذي قام بتعديله في عام 2021 أن الحكومة تنفذ السياسات التي رسمها رئيس الجمهورية، ما يعني أنه المسؤول الأول والمباشر عن فشل تلك الحكومات وما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية والتي تشهد وضعا متأزما من ارتفاع الأسعار وانقطاع المياه والكهرباء.

والجدير بالذكر هنا أن نسبة النمو الاقتصادي التونسي لم يتجاوز 1%، علما بأن الرئيس قيس سعيد رفض الاتجاه إلى الإقراض من صندوق النقد الدولي الذي تتجه إليه الدول في وقت أزماتها الاقتصادية.

في المقابل، فإن هناك فريقا من الموالاة، المؤيدين لإجراءت قيس سعيد، ويرونها أنها بعيدة عن أي حملات انتخابية مبكرة أو استئثارا بالسلطة، بل يهدف “سعيد” من ورائها إرسال رسائل للمسؤولين أنه لا بقاء في الحكومة لأي وزير لا يخدم الناس، بل ما حدث من هذا التعديل الحكومي يأتي استجابة لرغبات الشعب التونسي في تحسين أوضاعهم المعيشية؛ ما يتطلب وجود حكومة قادرة على تلبية مطالب الشعب.

ويؤكد رؤية فريق الموالاة ما قاله الرئيس قيس سعيد “نصا” أمام أعضاء الحكومة الجديدة، حيث قال: “من ينتقدون التعديل الوزاري قبل أسابيع من الانتخابات لا يفرقون بين الانتخابات والسير العادي لدواليب الدولة وأمنها القومي”. وأضاف “سعيد”: “دواليب الدولة تتعطل كل يوم”.

كما يرى الرئيس قيس سعيد، بحسب تصريحات سابقة له، أن ترشحه يمثل “حرب تحرير” و”حرب تقرير مصير” يهدف إلى تأسيس “جمهورية جديدة”. فهو يرى أن الأداء الحكومي بحاجة إلى ضخ دماء جديدة تلبي طموحات الناس، بعد أن وصله تقارير عديدة عن استمرار جماعات الفساد داخل أركان العمل الحكومي، وهو ما يواجهه “سعيد” منذ فترة.

وقد اشتكى “سعيد” أكثر من مرة من هذا القصور الذي وصل إلى درجة الفساد، وأن هناك من المسؤولين لا ينفذون تعليماته، علاوة على التقصير في خدمة المواطنين والتحالف مع الفاسدين، وأكد “سعيد” أن مثل هؤلاء لا مكان لهم في الإدارة.

كما قال “سعيد” في مقطع مصور بالصوت والصورة: “لا حاجة لنا بمسؤول غير مطّلع على ما يعانيه سكان المنطقة التابعة له بالنظر”، مشيرا إلى أن “هناك امتداد للوبيات ومجرمين داخل الإدارة التونسية”.

على الرغم من محاولات فريق المعارضة وفي القلب منهم “حركة النهضة” الذي يمثل تيار “الإخوان المسلمون” تصوير ما يقوم به قيس سعيد من أنه استبداد بالسلطة وجعل جميع القرارات في يد شخص واحد هو رئيس الدولة، ومحاولاتهم تصدير المشهد إلى الخارج والاستقواء به، والاتصال الدائم بالمنظمات الحقوقية الأجنبية.. على الرغم من ذلك فإن المشهد السياسي في تونس سيكتمل بإجراء الانتخابات الرئاسية والتي تنذر كل المؤشرات بفوز الرئيس قيس سعيد بولاية رئاسية جديدة في ظل عدم كفاءة المنافسين له.

وعلى كل الأصعدة، فإن المشهد بجميع احتمالاته وصوره يؤكد أن تونس ماضية قدما إلى ميلاد دولة جديدة، تختلف فيها حسابات المواطن عن حسابات الساسة والنخبة، فكل له مصالحه.. المواطن يحتاج إلى عيش كريم في حالة سلم اجتماعي واقتصادي وأمني، أما العديد من الساسة والنخبة فلهم مصالح بعيدة عن مصالح المواطن البسيط الذي لا يملك سوى قوت يومه.

والسؤال الأهم: هل ستلبي “الجمهورية الجديدة” التي ينشدها قيس سعيد طموحات المواطن التونسي؟

الإجابة ينتظرها الشعب التونسي بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة والتي ستحدد مسار “الجمهورية الجديدة”.

رابط مختصر
2024-08-27 2024-08-27
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر