جمهوريةُ لبنان ورأس يوحنا

آخر تحديث : السبت 14 سبتمبر 2024 - 3:20 مساءً
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

.. وحينَ قيلَ لهُمْ إن هيرودس ملك اليهود أمـرَ بقطع رأس يوحنا المعمدان وقدّمَـهُ على طبقٍ إلى راقصة ، راحوا يستأنفون الرقصَ في محاولةٍ لتركيب الرأس المقطوع لجمهورية لبنان.

الفراغُ الرئاسي يدخل عامَـهُ الثالث والمولود لا يزال في بطـن أُمّـهِ … وحين يغيبُ الملكُ والوريثُ جَنينٌ ، ليس ما يمنع مِـنْ أنْ يُتـوَّجَ الجنينُ ملكاً.

عندما توفي الملك الفرنسي لويس العاشر وكانت زوجته حاملاً ، تُـوِّجَ إبنُـهُ على العرش وهو في بطْـنٍ أُمِّـه ، وبعد خمسة أشهر وُلِـد الملك الرضيع ليحمل إسم جان الأول.

نحن ، لم نعُـدْ نعرف ما إذا كنّا في جمهورية ، أو في مملكةٍ ، وما إذا كان الرئيس عندنا يُتّوجُ بموجب الدستور ، أو بموجب نظام العرش حتى ولو كان ملكاً رضيعاً.

لم نعُد نعرف ما إذا كان لبنان دولـةً أوْ جمهوريةً أوْ مملكةً ، أو بلاطاً من بلاطات السلاطين : أمـراءُ وقـوادٌ وخصيانٌ وعبيدٌ ومستشارون ومنجّمون ووَصيفاتٌ وعشيقات … ووسط هذا الخضـمّ الأُمَـمي والسعيرِ الجهنّمي والإرتهان الخارجي والإنقسام المذهبي ، أصبح لبنان كأنَّـهُ مستعمراتٌ صغيرة كلُّ واحدة ترفع علـمَ الدولة التي استعمرتها.

فيما القيادات والمقامات اللبنانية المسؤولة تطمرُ رؤوسَها في الوحل السياسي والفراغ الرئاسي ، وتتقاذف الإتهامات الفاحشة بواسطة طائراتٍ مسيّرةٍ من الورق.

لا تزال اللجنة الخماسية الدولية تحاول التفتيش عن مفتاح السرّ الغامض للبابِ الرئاسي ، فيما الدستور هو المفتاح الذي أقفلوا بـهِ الباب ، والمفتاح الذي يُقفلُ البابَ هو الذي يفتحـهُ.

لفتَني كلامٌ للرئيس نبيه بـري في ذكرى الإمام موسى الصدر ، لم يلْتقطْهُ أحـدٌ من السياسيين ، لأنّ كلاّ منهم يتلقّطُ بذَنَبـهِ فلا يـرى إلاّ ما هو خَلْف … لقد دعا الرئيس بـرّي : “إلى التحاور والتشاور وصولاً إلى رئيس وطني جامـع”…

فإذا شئنا أن نحلّل بالمنطق السياسي معنى : “رئيس وطني جامع”، فهذا لا ينطبق على الزعيم سليمان فرنجية في ظـلّ ما يشوب الكتل النيابية من تناقضات ومواجهات.

لعلّ الرئيس بـرّي يحاول أنْ يرشقَ الجوزةَ الرئاسية بحجر ، وهو يعلم أن الموضوع يتخطّى التحاور والتشاور ويتخطّى الطبقةَ السياسيةَ التي أسقطَتْ نفسها من لعبة الحلّ ، وأصبح الواقع اللبناني على تشنُّجاته وتعقيداته وتناقضاته ، مرتبطاً بكل أزمات المنطقة وساحاتها وتعقيداتها وحروبها الباردة والساخنة.

ولا نستغرب حين نسمع الكثيرين من المحلّلين وقد راحوا يعتبرون أنّ انتخاب رئيسٍ لجمهورية لبنان بات يحتاج إلى توافق : أميركي – إيراني.

وانطلاقاً من هذه المقارنة يصبح اختيارُ رئيس للحكومة في لبنان ، وتعيينُ مجلس الوزراء في حاجة إلى قـرارٍ من منظمة الأمم المتحدة . المضحكُ المبكي أن الذين يعجزون عن انتخاب رئيس للجمهورية هُـم الذين يرفعون الصوت رفضاً لأي تدّخل خارجي في الإستحقاق الرئاسي حرصاً على سيادة لبنان.

وفي انتظار تحقيق سيادة لبنان ، لا يبقى من حـلِّ إلاّ أنْ ينتخبَ كلُّ فريقٍ رئيساً للجمهورية، ما دامت الجمهورية في ظلّ العهد السابق أصبحتْ جمهوريتين، وأصبح الرئيس فيها رئيسين ، أو رئيساً برأسين.

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2024-09-14
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر