وطـنٌ بين طوفانَيْن

آخر تحديث : الجمعة 25 أكتوبر 2024 - 11:58 مساءً
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

يسألونك من خلْفِ البحار : كيف هي حالُكُمْ وحالُ لبنان اليوم …؟

وتُجيبُ من خلف الدمار : إنّ لبنان اليوم وطـنٌ بين طوفانَيْنِ ، وكلُّ شيءٍ فيه مؤجّل .. كلُّ شيءٍ فيه مؤجَّلٌ إلاّ الموت …

الموتُ استشهاداً على طريق القدس في فلسطين …

والموتُ استشهاداً على طريق القدّيسين في لبنان …

هكذا طريق الطوباويّين تكون محفوفةً بالشهادة …

نحن الطوباويين : نقاتل ، نحارب ، نستشهد ، نموت عنّا وعنْ كلِّهِمْ ، الموتُ من أجلِ كلّ لبنان استشهاد ، والموتُ من أجلِ كلّ الأمّـةِ موت.

المؤجَّلُ الملحُّ عندنا ، ينتظر وقـفَ إطلاق النار ، ووقْـفُ إطلاقِ النار يحتكره العدُّو الإسرائيلي ، وتبصُمُ عليه الأصابع الأميركية.

الذين يسألون عنّـا من وراء البحار ، ويستبشرون بالدعم الأميركي نقول لهم : إنـزعوا من رؤوسكم حلقاتِ هذا المشهد المسرحي ، بـأنّ هناك تعارضاً أميركياً – إسرائيلياً حتى الشَـدِّ بالشَعْر ، هكذا في الروايات تكون صيَاغَـةُ النصّ المحبوك بين العقدة والحـلّ لإبراز دور البطَل.

العقدةُ والحلُّ يتلاعب بهما ” البطلُ ” الإسرائيلي بين النار ووقفِ النار ، ونحن نحارب العدوَّ بسلاحه ، وبكاتِـمِ صوت الإنتظار نُطلق النارَ على أنفسنا ، وعلى هيكل الدولة المدمَّر ، والقصر الجمهوري المزنَّر بالشمع الأحمر.

وفي الإنتظار ، هناك أرضٌ محروقة في الجنوب والبقاع … وتحترق ، وهناك ضاحية في جنوب بيروت تقطَّعتْ فيها الأوصال .. وتتقطّع ، وبيوت في شتّى أنحاء لبنان مدمّـرة بالإغتيال … وتدمّر ، وشعبٌ مهجّرٌ ، ويتهجّر بمئات الألوف ، تضيقُ بـهِ مراكزُ الإحتضان حتى الإختناق . ويسألون : هل نستسلم ويستسلمون ..؟ لا.

هل نصمد ونصبر ونواجه ..؟ نعم.

ولكن ، بأيِّ دولة مهترئـة تصمدون ، وهي تختلف اليوم عما كانت عليه في حرب 2006 ..؟ اللبنانيون اليوم ، لا طاقة لهم على العَونِ ، وأموالهُـمْ مصادرةٌ في البنوك ..

الدولُ المانحة ، وتحديداً الدول العربية على – شـدِّ الحزام – على مَـنْ توزّع الجـود : على لبنان ، على غـزّة ، على السودان ، أو على دولٍ عربية أخرى يجتاحها التهجير ، ويعصف بها التهاب النار .؟

من غريب الدلالات ، على توافر الإمكانات العمرانية ، ما طالعَنا بـهِ ، ناطقٌ في الأمـم المتحدة ، بأن إعادة إعمار غـزّة قد يستغرق ثمانين سنة ..

هذه المخاطر الكارثية ، التي سبَّبـتها وتسبِّبُها الحرب ، هل تستطيع أن تتلّقف أعباءها الجسام ، دولةٌ لبنانيةٌ مفكَّكةٌ شرعيّاً ، مُفلِسةٌ مالياً ، متنازعةٌ سياسياً ، مضطربةٌ شعبياً ، متضخّمة نزوحاً ..؟

وهذا النزوح اللبناني المتفاقم ، الجدير بحميم الإحتضان ، بما يعاني من ضيقِ سكَنٍ ، وضيقِ عيشٍ ، وضيق نفَسٍ ، وضيقِ صبـرٍ ، إذا ما أُضيفَ إليه نـزوحٌ سوريٌ مكثَّـف ، قد يؤدي الضغط المحتشد فيه ومِـنْ حولِـه ، إلى احتكاكاتٍ وإشكالات ، معرّضةٍ للإستغلال الإسرائيلي ، بما يُنبـيء بانفجار اجتماعي وأمني ، ويُنـذر بفتنـة تهدِّدُ السلمَ الأهلي.

وهذا ، إذا ما حصل ، لن تحسمَهُ هذه المـرّة وثيقةُ طائفٍ جديد ، بل انقسامٌ وطني جديد ، يُخشى أن تُطرح معه متغيّراتٌ على مستوى الكيان.

أليس هذا ، ما تريده إسرائيل ، وتعمل لـه ، وتبتغيه ..؟

إذا ظـلّ الموقف الوطني منقسماً حيال معْمعَـةِ الحرب ، ولم يتمَّ ترميمُ هيكلِ الدولة المتصدّع لمواجهة الخطر المصيري والمخطط الإسرائيلي ، أفلا يُعتَـبرُ هذا أيضاً بمثابة العمالة لإسرائيل ..؟

وإذا كانت المقاومة تسكب الـدم على الحدود دفاعاً عن لبنان ، ولبنان في الداخل يتهاوى في غياهب الإحتضار ، فأيُّ جدوىً إذاً ، من الصمود والمقاومة دفاعاً عن وطـنٍ يحتضر ..؟

رابط مختصر
2024-10-25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر