لبنان.. بين ساحات الحرب والاستقلال

آخر تحديث : الأحد 24 نوفمبر 2024 - 8:41 صباحًا
بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

يحتفل اللبنانيون في 22 نوفمبر من كل عام بذكرى استقلال دولتهم عن الانتداب الفرنسي في عام 1943، حيث يقدم الجيش عروضا عسكرية بمشاركة كافة الألوية والقوات البحرية والجوية، بالإضافة إلى المدارس والجامعات، حيث المشاركة بتوزيع أعلام الجمهورية اللبنانية ومظاهر الابتهاج التي تنم عن السعادة وغرس الشعور الوطني في نفوس الأجيال بقيم الدولة المستقلة صاحبة السيادة.

وتأتي ذكرى هذا العام تحت قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي للدولة اللبنانية في مواقع عدة تستهدف بالأساس جنوب لبنان (حيث معقل حزب الله)، لتمتد إلى معظم مناطق لبنان والعاصمة بيروت عبر غارات جوية، وغزوا بريا في الجنوب.

ومعروف أن الحرب الدائرة حاليا في لبنان من عدوان سافر من جيش الاحتلال الإسرائيلي إنما تترجم في الأساس الاعتداء على السيادة اللبنانية واستقلاليته.

فقد خلفت الحرب التي زادت وتيرتها منذ 23 سبتمبر الماضي أكثر من 3500 قتيلا، وأكثر من 15 ألفا جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، ونحو مليون و400 ألف نازح.

ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ضد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في ضربة مفاجئة من حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، قامت حركة المقاومة الإسلامية في لبنان “حزب الله” بتوجيه بعض الضربات لدولة الاحتلال الإسرائيلي دعما لحركة حماس وتخفيف الضغط عليها، وسرعان ما قامت بنفس الفعل حركة أنصار الله في اليمن “الحوثيون” والتي وجهت بعض صواريخها ومسيراتها إلى دولة الاحتلال، كما هاجمت السفن الإسرائيلية والمرتبطة بها المارة من مضيق باب المندب في البحر الأحمر، وامتدت هجمات الحوثيين لتطال السفن الأمريكية والبريطانية.

وقد اشتعلت الأمور في المحور اللبناني بعد تفاقم المواجهة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، وخاصة بعد اغتيال حسن نصر الله الأمين العام الأسبق للحزب في عملية دقيقة من قبل جيش الاحتلال، كذلك فقد تمكن الجيش الإسرائيلي من اغتيال عدد من قيادات حزب الله لإضعاف قدرته وشل صفوفه عن مواصلة المقاومة، في طريق يهدف إلى القضاء على الحزب ونزع سلاحه.

وبالرغم من الجهود الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو” أكد أن حكومته لن تتوارى عن هدف القضاء على “حزب الله” ونزع سلاحه حتى لو تم الوصول إلى وقف إطلاق النار.

وفي الأيام الأخيرة، أشارت معظم التقارير الإعلامية إلى نجاح الدور الأمريكي في التوصل إلى حل لوقف إطلاق النار، وهو ما قام به آموس هوكشتاين المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان، حيث قام بجولة في كل من لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي للضغط على مسؤولي الطرفين من أجل وقف إطلاق النار بينهما.

وفي خضام تلك المباحثات والجهود، إلا أن “حزب الله” قد أعلن عن لسان أمينه العام نعيم قاسم بقاء وجوده في الميدان سواء نجحت المفاوضات أم لم تنجح، وحدد “قاسم” أن المفاوضات يجب أن تتم تحت سقف وقف العدوان الإسرائيلي وحفظ السيادة اللبنانية.. كما شدد “قاسم” قائلا: “إسرائيل لا يمكن أن تهزمنا وتفرض شروطها علينا”.

وفي المقابل، فإن التعنت الإسرائيلي ما زال قائما، وعدوانه على سيادة لبنان متواصلة؛ حيث يشترط وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس لإنجاز أي تسوية سياسية مع لبنان هو “الحفاظ على القدرة الاستخباراتية وحق الجيش في العمل لحماية أمن المواطنين الإسرائيليين من هجمات حزب الله”، وبالتالي، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي المهدد الأول لأي اتفاق، على أي صعيد، في المنطقة بسبب سياساتها العدوانية والجنونية التي يقودها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو.

ويبقى للبنان وضع خاص في إطار هذه الحرب الدائرة والتوترات المشتعلة في الإقليم؛ نظرا لظروفه الخاصة، فمنذ أكتوبر 2019 يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة وخانقة إلى حد الانهيار، وقد صنف البنك الدولي تلك الأزمة بأنها الأسوأ في العالم منذ العام 1850م، ما أدى إلى انتفاضات شعبية عارمة في لبنان في أكتوبر 2019 في وجه عدد من الملفات السياسية والاقتصادية، وأبرزها ملفات الفساد في عدد من القطاعات اللبنانية.

وقد نجحت الانتفاضات في إرغام سعد الحريري، رئيس الحكومة وقتها، على تقديم استقالته، كما اضطر رئيس الجمهورية وقتها، ميشال عون على الاعتراف بما ينادي به المنتفضون داعيا إلى العلاج والإصلاح، ما جعل المنتفضين يصفونه بأنه “رئيس خارج الزمن”. وقد أمضى “عون” عهدته الرئاسية، وتعاقبت أكثر من حكومة تسيير أعمال، واستمرت الأزمة الاقتصادية، واستمر الشغور الرئاسي منذ 31 أكتوبر 2022 إلى الآن، ولم ينجح مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ووصل الأمر إلى مواجهات حربية بين لبنان وجيش الاحتلال الإسرائيلي، مما يزيد من تعقيدات الأمور وتشابكها.

وليس سرا، أن القرار اللبناني لا يأتي من الداخل اللبناني، وأنه مرهون بقوى دولية أبرزها فرنسا وأمريكا، وقوى إقليمية أبرزها المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية. ولأن “حزب الله” يلعب دورا بارزا في المشهد السياسي والعسكري اللبناني، ولا يمكن تغافله عند إبرام أي محادثات أو تسوية خاصة بالدولة اللبنانية، بل إن الحزب أحد اللاعبين الأساسيين وصانعي القرار في المشهد اللبناني، حيث تبعيته المعروفة لإيران التي تدعمه بالمال والسلاح.. فلا يمكن للدولة اللبنانية أن تخرج عن إطار لن يكون فيه “حزب الله”.

إن تصادف مرور الذكرى الـ81 لاستقلال لبنان في وقت تشهد فيه حربا ومشهد يقلب المنغصات التي تطعن في سيادته واستقلاله، إنما يخلق حالة من الانكسار وشعور الانهزامية في روح دولة كان يستعد جيشها لتقديم عروضه العسكرية المعتادة وشعب يرفع أعلام بلاده في تلك الذكرى، ليبقى لبنان تائها بين ساحات الحرب وساحات الاستقلال.

رابط مختصر
2024-11-24
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر