وقفُ النار ونبوءَةُ الجنرال

آخر تحديث : الجمعة 29 نوفمبر 2024 - 9:39 صباحًا
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

تلك الجهنّم التي بشَّرنا بها الجنرال الرئيس ميشال عـون صدقَتْ بها نبوءَتُـه ، وقد عانينا أخطر أشراراها ولهيب نارها.

ومع عربدة الغارات والمسيَّرات بشَّرنا القرار الدولي بوقْف النار كمرحلةِ اختبارٍ نحو وقف الحرب ، مخافـة أن تكون مهلةُ الستين يوماً مسكونةً بالشياطين.

ومن وقـف النار إلى وقـف الحرب ، علينا أنْ ننتقلَ مِـنْ جهنّم إلى المطهر ، وإذا كان الشاعر الإيطالي “دانتي” يـرى في الكوميديا الإلهية “أن الإنتقال من المطهر إلى السماء يجب أن يمرَّ بلبنان …”، فهل ينتقلُ لبنان إلى الكوميديا الإلهية ، بعدما مـرّ بالكوميديا الجهنميّة عبر طبقاتها السبع إلى آخـر أعماقها …؟

جهنميّة التوحّش الإسرائيلي إنقضّتْ على لبنان : فتدمّر وتفجّر وتهجّـر ، أرضٌ خصبـةٌ بالمواسم ، متألّقةٌ بالسكان والمساكن أصبحت شبـهَ قاحلة ، الأبرياءُ والشهداء قوافل ، والأطفال يتساقطون كالعصافير في أقفاصها.

ومع هذا يقولون لنا : اصمتوا … حطِّموا أقلامَكم على أقدامكم ، لأن : لا صوتَ يعلو على صوتِ المعركة ، وليس صوتُ المعركة أعلى من صوت الحق ، ولَيتَ المعركةَ كانت معركةَ الجيش والشعب والمقاومة ، ولم تكن معركة الجيش الإسرائيلي ، ومقاومة الصواريخ الإيرانية ، والشعبُ بينهما الضحيّة.

من أجل ماذا ، ولماذا يتمزّق الجنوب احتراقاً ، ويتقطّع البقاع بُقَعـاً ، ويُضحىّ بالضاحية وكلّ لبنان ، والعالم من حولنا يقدّم البخور للذبيحة …؟

لماذا يقول العَربُ والعجم : “إنّ حزب الله غير قادر وحده على الوقوف أمام إسرائيل …” ويظلّ حزب الله وحـده يقاتل ويُقتلُ استشهاداً ، وتبقى أجنحة الملائكة ترفرف فوق أجنحة الصواريخ …؟ ولماذا ، يقولون : “لا ينبغي أن نسمح بتحوّل لبنان إلى غـزّة ثانية …” ونحن نقاتل وحدنا من أجل غزة ونصبح معها غزّتين …؟

ولماذا ، نتحمّل وحدنا من دون سائر العرب والعجم ، أوزار المجازر والدمار وأهوال الإغتيال لأرفع قـادة حـزب الله وعلى رأسهم السيد الشهيد حسن نصـرالله …؟

وإذْ يقولون : لكلِّ قائدٍ بديل ، نقول : ليس لكلّ قائـدٍ مثيل … لو كان السيد لا يزال حيّاً ، وهو يقود المعركة فلا نظنّ أنّ آلـة الحرب قد استفرسَتْ بنا هكذا ، وتدحرجت هكذا فوق كلّ جسمٍ حـيّ.

ونقول : حتى لا تتكرّر المراهنة ، نحن مع فيلَـق القدس ويوم القدس والصلاة في القدس ولكن ، من دون أن نُستفرَد وحدنا على طريق القدس فتنقلب الصلاةُ علينا بما يُشبهُ مجالسَ العزاء.

منذ 1948 نكاد نكون نحن أكثر فلسطينيةً من الفلسطينين أنفسهم ، هناك ما يقارب الأربعة عشر فصيلاً من التنظيمات التي أُنشئتْ باسم فلسطين ، وغالباً ما كان التقاتل فيما بينها وفيما بيننا … ثمّ هل كانت منظمة التحرير الفلسطينية مع طوفان حركة حماس وطوفان حماستها …؟ لن نتخلّى عن دعـم القدس إنسانياً ودولياً ، بعدما أدّينا قسطنا غالياً للعُلى ، وليس علينا أن نحتكر وحدنا القداسة واستحقاق الصعود إلى الفردوس.

أما بعد ، فهل يحق للبنان أن يسأل : أين كانت المنظمات الإنسانية والحقوقية والدولية من لبنان الرسالة الكونية والعضو المؤسس في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان …؟

وأين هي الدول المتشدّقة برعاية حقوق الإنسان حيال هذه الهمجية التي تقود البشرية البريئة إلى المسالخ … حسْبُنا أنْ نكتفي حيال ذلك بما قاله المحلّل السياسي الأميركي : “روبرت كاغان” وقد أطلق على الولايات المتحدة تسمية : “الوحش ذي الضمير …”

في الخلاصة : وفي انتظار أن يُسفر وقـفُ النار عن نهاية الحرب ، وعن وجـه “لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه …” لا بـدّ من أن نوجّـه التحية إلى المقاتلين الذين يرسمون الحدود بالدم … إنّ ترسيم حدود الأوطان لا يكون إلاّ بالسكاكين .

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2024-11-29 2024-11-29
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر