أيَّ رئيسٍ تنتخبون؟

آخر تحديث : الجمعة 13 ديسمبر 2024 - 8:45 صباحًا
بقلم: جوزف الهاشم
بقلم: جوزف الهاشم

في زمـنِ خلْعِ الرؤساء وتنصيب الرؤساء ، أدَّتِ العدوى إلى استنفارٍ نيابي لبناني نحو الزحفٍ الرئاسي.

إذا كان هناك شعبٌ يخلع رئيساً نتيجة ارتكاباته ، فإنْ راح ممثّلو الشعب يخلعون رئيساً غير موجود فقد يستحقّون الخلْع.

الرئيس نبيـه بـري ، من أجل تأكيد المسار الإنتخابي المستقلّ ، استبقَ وحْـيَ المستشار الفرنسي : جـان إيـف لودريان ، فأعلن موعداً لانتخاب الرئيس في التاسع من كانون الثاني ، فيما راح مستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس ، يستأخر هذا الموعد شهرين أو ثلاثة.

فإذا صدقت الوالدة وأنجبت الجلسة الرئاسية مولوداً في التاسع من كانون ، كان المولود إبنـاً شرعياً ، وإذا أخفقت هذه الجلسة عن الإنجاب ، كان المولود العتيدُ إبـنَ حـرام … والمهمّ أن تصدق الوالدة لا أنْ يصدقَ الصبيّ.

أيَّ رئيسٍ تريدون …؟ ولأيّ دولة …؟

في المقارنة يبرز أمامنا المثل الحـيّ ، في شريعة دولة الغاب ، تصبح الدولة سائبة ، لكلِّ دولـةٍ فيها دولة ، وحين تبلغ شراسةُ ملكِ الغاب حـدَّ الإفتراس في العرين ، تتحول السلطة إلى حظيرةٍ مستباحة لكلّ ذوات المخالب ، وتختلط الأسود بالثعالب.

في كتاب “كليلة ودمنـة” “إذا نـام الثعلب في عرين الأسد ، فقد يستفيق ثعلباً”.

الأسد، ليس إسماً وليس لَقَبـاً ، بقدر ما كان بعض الفلاسفة والأدباء والشعراء يستخدمونه رمـزاً للفروسية والشجاعة والمهابة والإقدام ، وتسقط رمزية الأسد عندما يصبح صورة لحيوان مفترس تلوّث بـدم الفرائس التي التهمَها.

بصورة الأسد الرمز ، الأسد الفروسية والهيبة ، تُستمـدُّ المشابهة في الرئاسة والزعامة والقيادة والأحكام ، وقديماً ، إذا شاء أحدُ الملوك أنْ يترأَّس مجلساً شعبياً ، كانوا يضعون إلى جانبه أسداً في قفص لاستدرار الهيبة المفقودة.

الحكم هيبةٌ ، فلا تجتهدوا في التفتيش والتنقيب عن المواصفات والشهادات والإختصاصات ، وحدَه الرئيس الذي يحمل شهادةً بالهيبة والوقار وصلابة الموقف، يكون الرئيس الحاكم لا الرئيس المحكوم … رئيس الهيبة سيّـد ، والرئيس السيد يحقّـق هو السيادة ولا تتحول معه شريعة القانون إلى شريعة الغاب.

يستطيع رئيس الهيبة أن يستعين بمستشارين من مختلف الإختصاصات ، ولا يمكن أنْ يستعين بمستشار يمنحُـهُ الهيبـة.

تحضرني في المناسبة روايـةٌ شهيرة يرويها الدكتور فيليب حتّـي في كتابـه “تاريخ لبنان” – “ص : 500” ، وهي “أنّ الأمير بشير الثاني كان يبعث في نفوس الناس هالةَ الهيبة والإحترام ، وعندما كان في منفاهُ وأراد المثول أمام السلطان العثماني ، أمـرَ السلطان جلساءَه أنْ يظلّوا جالسين عندما يدخل احتقاراً لـه لأنه خالف الأوامر السنيّة ، ولكن عندما دخل الأمير عليهم وجدوا أنفسهم بدافعٍ لا شعوري واقفين هيبـةً لـه واحتراماً …” هذا يعني : إذا لم يكن عندنا بشيرٌ آخـر ، فعلى المرشح الرئاسي أنْ يتمتّع بقدْر من الهيبة ، إن لم يقف لـه الجالسون في الديوان السلطاني ، فعليه على الأقل ألاَّ يركع هو إجلالاً أمام السلطان.

لقد جرَّبنـا رؤساء يسجدون أمام السلاطين ويخدعون الناس بالهيبة المزيّفة ، ورؤساء يـدّعون التشبُّـه بمزايا امرأة قيصر ، وما أنْ تطـأ أقدامُهمْ عتبـةَ القصر حتى تبدأ ألسنةُ الأفاعي بالهمْسِ ، فتنْتشي في نفوسهم وساوسُ الشيطنة الجهنّمية.

يقول ، أفلاطون في “كتاب الجمهورية”عن فضيلة هيبة الحكم : “إنّ أثقل مصائب الناس أنْ يُقصى فضلاؤهم عن الأحكام”.

*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.

رابط مختصر
2024-12-13 2024-12-13
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر