“ترامب”.. “أيزنهاور الجديد”

آخر تحديث : الإثنين 28 أبريل 2025 - 3:29 صباحًا
بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

بات من المؤكد أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية مازالت بوصلتها في منطقة الشرق الأوسط، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعمل على هذه الحقيقة قبل مجيئه رئيسا للمرة الثانية في يناير الماضي.

ورغم رعونة “ترامب” في قراراته وسياساته، إلا أنه يفعل ذلك على يقين أنها من أجل مصالح بلاده والتي ترجمها في شعار حملته الانتخابية “أمريكا أولا”. سياسات وقرارات “ترامب” قلبت العالم رأسا على عقب، ووصفها الجميع بأنها لا تصدر إلا عن رجل مجنون، و”ترامب” ليس مجنونا، ولكنها الأمنيات.. فهم يتمنون أن ما يقوله ويفعله دربا من الجنون.

إن “ترامب” يعمل وفق أجندة سياسية واقتصادية وأمنية بارعة بامتياز.. هكذا هي السياسة يا عزيزي.. لا مكان فيها إلا للأقوياء.

فعلى طاولة القمار تجد “الحظ” و”الشطارة” و”الفهلوة” وكل ألوان الطيف الحرام. وعلى طاولة السياسة تجد الخداع والمناورة والوصولية لاقتناص الفرص، وهذه هي سياسة العولمة في جميع مناحي الحياة، ليس لأن يطرد الجيد الردئ، ولكن ليبقى القوي هو المهيمن على زمام الأمور.

جاء “ترامب” في وقت سحب البساط من تحت أرجل بلاده في منطقة الشرق الأوسط، وقد وضع المنافسون أقدامهم في المنطقة بهدف تعدد ميزان القوى العالمي، وقد نجحتا كل من روسيا والصين في هذا الأمر، بل امتد الأمر وصولا إلى القارة الأفريقية، ما جعل أمريكا تستدير بوصلتها لتعود مرة أخرى إلى المنطقة.

وبفضل عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في وجه العدو الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023، سرعان ما عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة مشيرة إلى إمكانية توحيد الموقف العربي (رسميا وشعبيا) دعما للمقاومة (أي مقاومة) في وجه غطرسة دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولقد أدركت أمريكا وأوروبا قوة وحدة العرب؛ ولعل مؤتمر القاهرة للسلام في 21 أكتوبر 2023 بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، للعمل على وقف الحرب على غزة، كان خير دليل على ذلك، حيث ترجم المؤتمر موقف الشارع العربي وتأييد القادة لشعوبهم في حق الفلسطينيين مقاومة المحتل واسترداد أراضيهم المغتصبة.

ولعل مواقف مصر والعراق والأردن، على وجه الخصوص، كانت أقوى المواقف العربية المساندة للشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة والدفاع عن نفسه. وكلنا يتذكر الجهود التي بذلها الرئيس السيسي لتوحيد قادة العالم المشاركين في المؤتمر لدعم الحق الفلسطيني وإيقاف الحرب على غزة، إلا أن الدول الأوروبية أجهضت جهود المؤتمر وعملت على إفشاله.

وسط كل هذه التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، وخصوصا منذ مقتل حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، واشتعال الحرب على غزة، ومواقف متجهة إلى التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من عدد من الدول العربية.. كل ذلك جعل أمريكا تفكر جيدا وتوجه خطوة سابقة قبل أن تولد أي محاولة عربية لتجديد مشروع الوحدة العربية أو العمل على استقدام الفكر القومي العروبي مرة أخرى.

إن “ترامب” يحمل عددا من الملفات الشائكة في حقيبة السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولعل أبرزها وأهمها، أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي والعمل على إيقاف حرب غزة ولكن بما يضمن القوة والهيمنة لدولة الاحتلال، ولعل ما قاله في خطاب له أمام المجلس الإسرائيلي الأمريكي في واشنطن في 19 سبتمبر 2024 يؤكد ذلك حين قال: سنجعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى، كما أكد أنه أفضل صديق لليهود الأمريكيين في البيت الأبيض. وقد وعد “ترامب”، قبل تنصيبه رئيسا، بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم إذا لم تفرج “حماس” عن الأسرى الإسرائيليين.

أيضا، هناك ملفات إيران، وسوريا، ولبنان، والصحراء الغربية، وكلها ملفات لها ترتيباتها في الإدارة الأمريكية بقيادة “ترامب”.

جاء “ترامب” ليعمل على تطويق الواقع العربي، وهو مشروع يحاكي ذات المشروع الذي جاهد من أجله الرئيس الراحل داويت أيزنهاور في عام 1957.

فقد عمل “أيزنهاور” ومشروعه على سد الفراغ في دول الشرق الأوسط التي غادرها الاستعمار الأوروبي، خشية هيمنة الشيوعية الدولية على تلك المنطقة، فقد أعلنت أمريكا عن تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري للدول الراغبة في مواجهة التمدد الشيوعي، إلا أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح، نظرا لحالة المد القومي التي كانت في أوجها في تلك الفترة بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ولم تنجح أي محاولات لاختراق النظام العربي في ذلك التوقيت.

وفي عهد “أيزنهاور” أيضا، أجهض الزعيم جمال عبد الناصر “حلف بغداد” الذي تأسس عام 1955، وكانت أمريكا داعمة له من خلف ستار، حيث رأى “عبد الناصر” أن الحلف يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي، وسرعان ما قاد “عبد الناصر” حملة إعلامية واسعة منعت انضمام أي دولة عربية لهذا الحلف باستثناء العراق، التي خرجت منه لاحقا بعد نجاح الثورة العراقية ضد النظام الملكي في عام 1958.

إن “ترامب” وهو في بدايات حكمه في العام 2025 يعمل بنفس فكر “أيزنهاور” من خلال تطويق المنطقة اقتصاديا وأمنيا وحتى من خلال اتفقيات سلام مغرض بهدف من خلال صفقات تطبيع الدول العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإصراره على تنفيذ صفقة القرن الشهيرة بأي شكل وبأي ثمن.

وبعد الضغط الذي مارسه “ترامب” على مصر والأردن بقبول تهجير الفلسطينيين من غزة وتفريغها تماما مقابل عدة مليارات من الدولارات، على أن يتم توطينهم في أراض في كلا الدولتين، فوجئ “ترامب” بردود قاطعة وحاسمة من الزعيمين المصري عبد الفتاح السيسي والأردني عبد الله بن الحسين برفض الممخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين والقضاء على القضية الفلسطينية بتلك الطريقة التي ستجلب الولايات للمنطقة العربية بأسرها لاحقا، الأمر الذي صدم “ترامب”، إلا أنه لم يفقد الأمل.

إن الجولة المرتقبة للرئيس الأمريكي ترامب للمنطقة العربية في منتصف مايو المقبل، لا شك أن محورها الأول اقتصادي، حيث سيعمل على جذب أكبر قدر ممكن من أموال دول الخليج العربي ليضخها في اقتصاد بلاده في إطار خطته لإنعاش الاقتصاد الأمريكي الذي يمر بأزمة في السنوات الأخيرة في منافسة شرسة مع الاقتصاد الصيني.

إن التصريحات الأخيرة لترامب عن وجوب مرور السفن التجارية والعسكرية من قناتي السويس وبنما، مجانا، بحجة أن بلاده تقوم بحماية تلك الممرات البحرية، وما سبقها من ممارسات لفرض القوة والهيمنة الأمريكية على المنطقة يؤكد النهج الذي أوضحناه سلفا في عقيدة “ترامب” لإدارة ملفات السياسة الخارجية لبلاده تجاه منطقة الشرق الأوسط، ويبرهن المثل القائل “ما أشبه الليلة بالبارحة”، فما أقدم عليه “أيزنهاور” منذ 68 عاما يفعله “ترامب” اليوم.. فهو حقا “أيزنهاور الجديد”.

رابط مختصر
2025-04-28
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر