دفع انتقاد الطيف السياسي والشعبي لقانون الموازنة الذي استهل العام الجديد بالرفع في أسعار المحروقات وبعض المواد الاستهلاكية في إطار إصلاحات حكومية فورية لإنعاش الاقتصاد، أحزاب الائتلاف الحاكم إلى الاحتماء بوثيقة قرطاج، لاحتواء بوادر أزمة جديدة قد تربك مسار الائتلاف وتهدّد شعبيته.
والتقى الرئيس التونسي الباجي القائد السبسي، الجمعة، مع الأطراف الموقعة على الوثيقة بعد حوالي سنة على انعقاد آخر اجتماع لهم أمام اعتذار الحزب الجمهوري عن الحضور لرفضه “إعادة خلط الأوراق مع جهات سياسية أثْبَتت عَجْزَهَا عن قيادة البلاد رغم رصيدها الانتخابي”، وفق ما ذكره في بيانه الخاص.
ويهدف اجتماع الموقعين على وثيقة قرطاج التي انبثقت عنها الحكومة الحالية على شاكلة حكومة وحدة وطنية في أغسطس عام 2016، إلى رأب الصدع بين الشركاء في الحكم بدفع سياسة الحوار وتغليب المصلحة الوطنية.
ويأتي الاجتماع بعد خروج حالة التوتر بين الأحزاب الحاكمة إلى العلن منذ إعلان حزب آفاق تونس انسحابه من الحكومة تنديدا بسيطرة حزبي النهضة والنداء على الحكم، فيما يعبر اتحاد الشغل ومنظمة أرباب العمل عن رفضهما للإجراءات الحكومية الاقتصادية.
ويرى متابعون أن حالة ارتباك يعيشها المشهد السياسي في تونس مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في مايو القادم، خاصة عقب ما كشفته نتائج انتخابات دائرة ألمانيا، في ديسمبر الماضي، من هشاشة التحالف الحاكم وفشل خياراته، قادت إلى عزوف الناخب التونسي عن الاقتراع نتيجة تراجع ثقته بممثليه في السلطة.
ويعتقد هؤلاء أن أحزاب المعارضة تفطّنت إلى التراجع الشعبي للائتلاف الحاكم لتجد بذلك أمامها الفرصة سانحة لتعزيز حضورها السياسي أملا في تحقيق مكاسب انتخابية مرجوة، مع حالة استياء الشارع مردّه قانون المالية الجديد.
واستنكرت أحزاب التحالف الحاكم دعوات الأحزاب المعارضة للاحتجاج على قانون الموازنة، عقب موجة جدل عارمة اجتاحت البلاد منذ إعلان الرفع في بعض المواد الاستهلاكية مع مستهل العام الجديد.
وشهدت الأسعار في تونس مع بداية العام الجديد زيادات في عدد من القطاعات، وهي إجراءات تعتبرها الحكومة التونسيّة مهمّة للحد من عجز الموازنة الذي بلغ 6 بالمئة في العام 2017.
وطالت الزيادات أساسا المحروقات، وبطاقات شحن الهواتف، والإنترنت، والعطور، ومواد التجميل. فيما طمـأنت الحكومة المواطنين بأن أسعار الأساسيات لن تتأثر بالزيادات التي تم الإعلان عنها.
وانتقد حزبا النداء والنهضة التضارب في مواقف الأحزاب المنافسة، لجهة مصادقتها على فصول الموازنة تحت قبة البرلمان ثم التنديد بها ومحاولة تأجيج الشارع وتأليب التونسيين على الحكومة.
وقال المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي إن “قانون المالية مرّ بالتوافق مع أحزاب الائتلاف والمنظمات”، مشيرا إلى أنه “تم تخصيص المئات من ساعات الاستماع في لجنة المالية بمجلس نواب الشعب لوزراء ونواب وخبراء ثم عُدّل وتم التصويت عليه في الجلسة العامة والكل كان على علم بأدق فصوله وتفاصيله”.
وتابع قائد السبسي في تدوينة نشرها عبر صفحته الخاصة بموقع فيسبوك “واليوم يتعجب الجميع من هذا القانون عند تطبيقه”.
وكانت أحزاب معارضة على غرار ائتلاف الجبهة الشعبية، وحركة الشعب، وحزب البناء الوطني نددت مؤخرا بقانون المالية وما حمله من زيادات في الأسعار، داعية إلى الاحتجاج. وأبدى التحالف الحاكم (النهضة والنداء) تمسكه بقانون المالية في خطوة تكشف حفاظ الحزبين على خيار التوافق والتحالف بينهما حول أبرز الملفات، رغم توقعات مراقبين ببداية مؤشرات فك الارتباط بينهما عقب خسارتهما لمقعد دائرة ألمانيا.
وقال خالد شوكات القيادي في حزب نداء تونس لـ”العرب” إن “هناك محاولة لتوظيف سياسوي لقانون المالية الجديد”.
واعتبر شوكات أن “بعض الأحزاب تنتقد قانون المالية لتحقق أهدافا سياسية”. واستدرك بقوله “لكنها تدفع بضرب الاستقرار في البلاد وربما عرقلة الانتخابات المحلية نتيجة تخوفها منها”.
واستبعد شوكات تأثير جدل قانون الموازنة على شعبية حزبه، ورأى أن “الشعب التونسي واع بواقعه السياسي ويميز بين المواقف الحقيقية والمزيفة”.
وندّدت حركة النهضة بدعوات البعض للاحتجاج على قانون المالية الجديد و”إدخال البلاد في حالة من الفوضى”. وقال محمد بن سالم وزير الفلاحة السابق والقيادي بحركة النهضة لـ”العرب” إن “المسؤولية تقتضي تخطي إجراءات مؤلمة لإنقاذ البلاد من وضع اقتصادي دقيق”.
ووصف بن سالم محاولات جرّ المعارضة الشارع إلى الاحتجاج “بالتهرّب من المسؤولية مع اقتراب الانتخابات، وعدم الرغبة في تحمل الأعباء الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد”.
ولفت الوزير السابق إلى أنه “يجب التوضيح للمواطن أن الرفع في الأسعار كان في حدود 1 بالمئة”.
ورأى بن سالم أن “احتجاج المعارضة مقبول في العرف السياسي غير أنها تسعى إلى توظيفه واستثماره لصالحها”. وأردف “من حق المعارضة الاحتجاج لكن من حق الأغلبية أيضا تفسير الإجراءات التي اعتمدتها”.
ويحاول التحالف الحاكم رأب الصدع بالمشهد السياسي والاجتماعي على حد سواء، بسبب تواصل حالة الاحتقان الاجتماعي بالمحافظات التونسية نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة من جهة، وبسبب ضغط الأحزاب المعارضة التي تتهمّه بالفشل في إدارة أزمات البلاد من ناحية ثانية. ولفت بشير الجويني، الباحث والمحلل السياسي لـ”العرب” أن “البرلمان التونسي كشف عن ازدواجية مواقف الأحزاب”، مبديا استغرابه من مصادقة “أحزاب على القانون المالية ومطالبتها في الآن ذاته بإسقاط الحكومة في الشارع”.
وفسر الجويني ذلك “بمراهقة سياسية وعدم تحمل للمسؤولية وضعف في الوعي بأهمية اللحظة التي تمر بها البلاد”.
واعتبر أن “المواطن رغم ما يعانيه من آثار مباشرة لهذا القانون والزيادات الناجمة عنه مستعد لمواصلة التضحيات بشرط أن تكون الحكومة ومكوناتها في مستوى اللحظة التاريخية، وهو ما يغيب وفق تعبيره، خاصة على المعارضة”.