“فضيحة بالملايين”.. من يسرق سجن رومية؟

آخر تحديث : السبت 26 أغسطس 2017 - 12:01 مساءً
“فضيحة بالملايين”.. من يسرق سجن رومية؟

“مشكلة سجن رومية متشبّعة بكلّ الروائح الكريهة في الدولة”.. هكذا يصفُ وزير الأشغال  اللبناني السّابق، غازي العريضي الوضع في السجن الذي ينخرهُ الفساد على كلّ المُستويات. كان قد استتبعَ هذا الوصف بآخرٍ أدقّ صدرَ عن وزيرِ الداخليّة السّابق مروان شربل؛ إذ قال “إنّنا أمام واحدةٍ من أكبر عمليّات السرقة والنصب على عيون الدولة والحرّاس”، لتتفجرَ “القنبلة” لاحقاً مع حصول “ليبانون ديبايت” على تفاصيلِ عمليّةِ السّرقةِ التي حصلت في سجن رومية بذريعة “الترميم”.

وبحسب موقع ليبانون ديبيت اللبناني فقد زار وزير الداخليّة السابق مروان شربل سجن رومية، في منتصف يوليو عام 2013 مُعايناً عمليات الترميم التي لزمت إلى المُتعهّد المُهندس خالد الساروط المحسوب على تيّارٍ سياسيٍّ نافذ. لم يخجل شربل يومها من تسمية الأشياء بأسمائِها واصفاً عمليّة الترميم بـ”النصب والسَّرِقة” وأنّها “غير مقبولةٍ خصوصاً لجهةِ كلفتها الأقل بكثيرٍ من الأموال المصروفة” فما هي حيثيات تلك القضيّة التي طُمِسَت عن سابقِ إصرارٍ وتصميمٍ عن الرأي العامّ؟

بدايةً، فاز المهندس المتعهّد خالد الساروط بتنفيذِ مناقصةِ أشغال ترميمِ بعض مباني سجن رومية ضمن دفترِ شروط تصلُ قيمتهُ إلى نحو ستّة ملايين دولار. المفاجئة أو الصدمة التي يكشفها تقرير “التفتيش المركزيّ” الصادر بتاريخ 24/05/2014 والذي حصل عليه “ليبانون ديبايت”، يظهر أنّه وبنتيجة التحقيق الذي قام به عددٌ من المفتّشين الماليّين وهم شمس الدين شمس الدين وانطوان لوهرا وربيع شرف الدين، تبيّن أنّ “مالك الشركة المُلزمة يتعاطى إعادة التلزيم في الباطن (أي تلزيم شركاتٍ للقيامِ بالأعمال)”، لكنّ أخطر ما يكشفه التقرير أنّ المالك (المُتعهّد) “لا يقوم بالتنفيذ من خلال الشركة التي تلزم على أساسها وليس لديه موظّفين”.

وتُشيرُ المعلومات، إلى أنّ الشركة التي فازَ على أساسِها في المُناقصة غير موجودة بتاتاً، وهو لجأ إلى شركاتٍ أخرى من أجل تنفيذِ بنود المُناقصة عبر عقدِ صفقاتٍ معها بمبالغَ أقلّ من تلكَ التي تقدّمَ بها في دفتر الشروط.

طبيعة التلزيم على هذا النحو تفتحُ المجال أمامَ تساؤلاتٍ كثيرةٍ، خاصّةً لجهةِ المُستفيدِ أو المُستفيدين، والجهة التي تُغطّي عمليّةً مفضوحة على هذا النحو، وهو ما حاول “التفتيش المركزيّ” كَشفَ ذيوله. وبعد أن تمكّن المفتّشون من الاستحصالِ على معلوماتٍ وافرة، جرى وضعها ضمن تقريرٍ حمل عنوان “التحقيق في التلزيم العائد لأشغال تلزيمِ وصيانةِ سجن رومية” بناءً على التكليف رقم 160 – 7ب – 2013 تاريخ 09/10/2013 والتكليف رقم 161 – 7ب – 2013 التاريخ نفسه، أرسل إلى المُفتّش العامّ المالي.

وتُظهرُ النسخة التي حصل عليها “ليبانون ديبايت”، أنّ المُتعهّد الساروط مارس عمليّة تضليلٍ وغشٍّ بحقِّ الدولة عبر إقرارهِ بقيامه بـ”استبدال موادٍ بمواد مشابهة أقلّ جودةً ولا تنطبقُ عليها المواصفات المُحدّدة في دفتر الشروط” كذلك إقراره بأنّه “قبض مبالغَ تفوقُ المبالغ المُستحقّة له”، ما يؤكّدُ ما أعلنهُ الوزير مروان شربل سابقاً.

لكنّ أبرز ما يكشفه التقرير هي أدوارٌ مُقسّمة بين عددٍ من الضباط في قِوى الأمن الداخليّ والمُوظّفين الرسميّين التابعين لوزارةِ الأشغال العامّة والنقل، قد ترتقي إلى مستوى “التواطؤ”، إذ يكشف التقرير أنّ هؤلاء الضبّاط قاموا بالتوقيع على كشوفات البضاعة قبل أن تصلَ إلى لبنان، أي بمعنى أوضح عملوا على تمريرها قانوناً دون الاطّلاع عليها نظريّاً ومعاينةً إن كانت تتلاءم مع دفتر الشروط أم لا.

في الصفحة الثانية من التقرير، يتبيّن أنّ رئيس مكتب الدروس في مصلحةِ الأبنية بقِوى الأمن الداخليّ العقيد نزيه فطايرجي بالاشتراك مع عضوَي لجنة الإشراف المُعيّنة من قِبلِ وزير الأشغال العامّة والنقل وقتذاك غازي العريضي، محمد وجيه وزنة وادغار العريف، وقعوا على الكشف رقم 3 بعد التأكّد من أنّ البضاعة مُطابقة للمواصفات والشروط في حين لم تكن البضاعة قد وصلت إلى الأراضي اللّبنانيّة بعد.

ويتبيّن في الكشف رقم 3، أنّه تمّ دفع مبلغ 4.563.565.655 ل.ل علماً أنّ ما قيمته 4.378.211.255 ل.ل من التجهيزات الملحوظة فيه، لم تكن قد وُضِعَت في أسواق الاستهلاك العالميّة حتّى تاريخ تقديم الكشف، كما أنّ بعضها لم تكن الشركة المُتعاقِدة معها قد استوردته ولم يكن قد دخل الأراضي اللّبنانيّة وفق البيانات الجمركيّة، ما يظهر أنّ هناك عمليةَ خداعٍ وتضليلٍ واستفادة قد حصلت من خارج القانون.

ويتبيّن أيضاً بحسب التقرير، أنّ مدير المديريّة الإداريّة المُشتركة السيّد منير صبح قام بدفعِ مبلغٍ عن أشغالٍ غير منفّذة وتجهيزاتٍ بقيمة 1.9 مليون دولار تقريباً تعود لأشغال البند العاشر من الدفتر خلافاً لتعليمات وزير الأشغال العامّة والنقل والتي نصّت على دفعِ قيمةِ الأشغال المُنفّذة فقط، كذلك يظهر التقرير أنّه تمّ بموجب الكشف رقم 4 صرف كمياتٍ للمتعهّد عن أعمالٍ لم يتمّ إنجازها تبلغ قيمتها 484000$ تقريباً، علماً أنّ لجنة الإشراف التي عُيِّنت من قِبَلِ وزارة الأشغال، استطاع استرداد مبلغ 502000$ بسبب أنّها غير منفّذة وتمّ صرفها في الكُشوفات السّابقة.

ويبيّن التقرير أنّ لجنة المُفتّشين لاحظت أنّ الفوارق كانت كبيرة بين الأسعار الرائجة والأسعار المُقدّمة من المُتعهّد للبضائع نفسها بما يفوق الـ3.2 مليار ليرة لبنانية.

ويُعرّج التقرير على “أشغال المعلوماتيّة وكاميرات المراقبة”؛ إذ تبيّن له أنّ المُتعهّد الساروط لزم هذا القسم إلى شركةٍ تُدعى “غوارديا سيستمز” بمبلغٍ قدره 2.255.000$ علماً أنّ المُناقصة رَست على هذا القطاع بمبلغٍ يقارب الـ3.5 مليون دولار، ليتّضح أنّ المُتعهّد ربح عمولة تُقدّر بمليون دولار تقريباً بعد قيامه بإعادة تلزيم المشروع بكلفةٍ أقلّ إلى شركةٍ ثانية، ما يوضّح أنّه قام باستفادةٍ غير مشروعة.

ويستخلص “التفتيش المركزيّ” في تقريره، أنّ “لجنة الإشراف المُؤلّفة من ضبّاطٍ في قِوى الأمن الداخليّ لم تَقُم بواجباتِها كاملةً حيال “هذه الصفقة المشوبة بالعيوب” (كما تصفها)، كذلك تُشيرُ وبالتهمةِ نفسها إلى “اللّجنة المُعيّنة من قِبَل وزيرِ الأشغال العامّة والنقل والمؤلّفة من كلٍّ مِنَ “العميد بيار الحايك، العقيد حسين الحاج حسن، المهندس محمد وجيه وزنة والمدرب ادغار العريف لم تَقُم بما هو مطلوب منها.

ولم يَعفِ التقرير موظفين آخرين في وزارة الأشغال العامّة والنقل وضبّاط آخرين في قِوى الأمن الداخليّ من المسؤوليّة المُباشرة لهؤلاء على كاملِ الملفّ، إذ يتّضح أنّ عمليّة التضليل والغشّ و”النصب” – كما وصفها الوزير السابق – تشمل جميع هؤلاء بالتراضي بينهم!

وإزاءَ كلّ ما تقدّم وانفضاح الأدوار التي حوّلت “تلزيمة ترميم” إلى “صفقةِ نصبٍ” على حِساب المال العامّ، هل سيتمّ إسقاط الغطاء عن المُتورّطين كي تجري محاسبتهم؟

رابط مختصر
2017-08-26
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر