لم يعد هناك شك في أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو الفائز في انتخابات الرئاسة المقررة في آواخر مارس المقبل، حيث جاء المرشح موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد في اللحظات الأخيرة دون سابق إنذار أو ترتيب مسبق لينافس “السيسي” في هذه الانتخابات.
ومعروف جيدا الخلفية السياسية “الهشة” للمرشح “موسى مصطفى موسى” وكيف ظهر في المشهد السياسي بعد خلافه مع أيمن نور الذي أسس “حزب الغد” منذ أكثر من 12 عاما، ليخرج “نور” من حزب الغد على إثر تلك الخلافات ويتزعم “موسى” وتياره حزب الغد، ثم يؤسس “نور” في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 حزب “غد الثورة” ولينتهي به الحال هاربا خارج البلاد، متنقلا ما بين لبنان وتركيا وقطر، مستكملا نضاله “الورقي” ضد النظام الحاكم، حيث اتفقت رؤيته مع التنظيم الإخواني في أن ما حدث في 30 يونيو 2013 هو انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية، أراد الشعب المصري أن يتخلص بها من الجاثمين على أنفاسه من جماعة “الإخوان”، التي حكمت البلاد لمدة عام لم يكن لمصر أن تتحمل لأكثر من ذلك مع هذا الحكم الذي أظهر عنصريته وغلظته ضد كل ما هو مصري ووطني، وكأننا أصبحنا إحدى الولايات أو المستعمرات الإخوانية.
كنا نتمنى أن نعيش مشهدا انتخابيا واسع الشكل والمضمون تدور فيه المنافسة بين 5 أو 7 مرشحين ونعيش لعدة أسابيع في جولات انتخابية ولقاءات جماهيرية نستمع فيها لبرامج ورؤى متعددة وآليات وإمكانيات كل مرشح لتنفيذ ما يطمح إليه لوطنه، ولكن يبدو أن إشكالية المشهد أننا لن نحظى بهذا إلا بعد مرور وقت تستطيع فيه مصر أن تفرز قيادات مؤهلة لإدارة الدولة وأن تكون قد تربت في كواليس العمل السياسي ولديها الدراية الكافية بشؤون الدولة والخصوصية الفريدة لمصر وما تتطلبه من حاكم قوي قادر على توجيه بوصلة المصالح نحو بلاده.
يخوض “السيسي” انتخابات الرئاسة المقبلة في ظروف مغايرة للمرحلة الأولى من عهده؛ حيث جاء باستدعاء شعبي واسع، رأى فيه الجميع أنه المنقذ ومعه ستنصلح الأحوال سريعا. وللأمانة، كان الرجل صريحا من أول لحظة، وأحاطنا بأنه لن يستطيع أن ينجز شيئا بمفرده، طالبا مد يد العون من الجميع، وأن يقوم كل مواطن بدوره من أجل تقدم هذا البلد، وكان الرجل لا يمل من تكرار عبارة “ليس لدينا رفاهية الوقت” في كل مناسبة يطل منها على الشعب بعد أن دخل قصر الرئاسة واطلع على كواليس الحكم.
لقد كشفت الكواليس حجم المسؤولية، والحظ العثر لرئيس يتسلم البلاد منهكة من فساد استشرى بجميع جسدها منذ عقود طويلة، وبعد ثورتين في خلال عامين استنزفت معهما أموال ضخمة وخسائر فادحة في كافة قطاعات الإنتاج والتنمية وروافد الدخل القومي، ومازلنا حتى الآن نعاني من تبعات هذه الحالة الاقتصادية التي أجبرت “السيسي” أن يسير في الاتجاه الصعب الذي معه يقل رصيده الشعبي؛ نظرا للأحوال الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المصريون في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار المتزايد والمتوقع استمراره مع قدوم شهر يوليو القادم.
وبالرغم من إدراك الرجل أن منحنى شعبيته قد تغير، إلا أنه استكمل الطريق وأخذ على عاتقه تحمل المسؤولية وشجاعة قرارات تأخرت لسنوات طويلة، وهذا في حد ذاته يحسب للرئيس السيسي، وإن كانت هناك تفاصيل كان يجب مراعاتها مع تنفيذ هذه المشروعات العملاقة التي تم تنفيذها.
لقد استطاع “السيسي” تنفيذ عدة مشروعات قومية عملاقة في زمن قياسي بدأها بإنشاء قناة السويس الجديدة، وكذلك شبكة طرق وكباري ضخمة، ومحطة توليد كهرباء البرلس بمحافظة كفر الشيخ (أكبر محطة لتوليد الكهرباء في الشرق الأوسط)، أيضا مشروع إنشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة، وكذلك مشروعات الاستزراع السمكي في الإسماعيلية وكفرالشيخ، والأنفاق الستة الجديدة أسفل قناة السويس والتي توفر وقت نقل البضائع والحركة المرورية من عدة أيام لبضع دقائق، والعاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك تطوير العشوائيات، ومشروع معاش “تكافل وكرامة”، وغيرها من المشروعات التي استنزفت أموالا باهظة من ميزانية الدولة ومواردها، علاوة على ارتفاع الدين المحلي والخارجي من أجل تنفيذ تلك المشروعات العملاقة.
ربما في عقلية البسطاء ومحدودي الفهم أننا لم نكن بحاجة لمثل هذه المشروعات في هذا التوقيت، ولكن بتعمق وإدراك لحاجات الدول سنفهم أننا بحاجة لأكثر من تلك المشروعات، ولكن الإشكالية التي وقعت أنه بالتوازي مع تلك المشروعات كان على الحكومة التي وثق فيها الرئيس أن تقوم بدورها لتخلق مشروعات تنموية موازية تحقق عائدا ودخلا على المدى القريب والمتوسط؛ لتنعكس هذه التنمية على المواطن، حتى يلبي دخله احتياجاته المعيشية.
في المرحلة المقبلة وبعد هذا العدد الهائل من المشروعات الضخمة، والتي وفرت بنية تحتية تنتظر المستثمرين، فليس أمامنا إلا الاتجاه لمشروعات الإنتاج والتنمية؛ حتى تنفرج الحالة الاقتصادية، وهذا يتطلب حكومة ذات جسم قوي وعقل مفكر، ووزراء يتسمون بشجاعة في أخذ القرار كما الرئيس، لا أن تكون حكومة وزراءها من عينة المغردين بـعبارة “في ظل توجيهات الرئيس”، والتي سئمنا من سماعها لسنوات طويلة خلت.
أقولها بكل أمانة ونحن في هذا المشهد الصعب أننا، وإن كان بيننا من يرفضون الواقع الحالي، فليس أمامنا إلا اختيار رئيس يكون معه الاستقرار والأمان، وهو محقق الآن، فنحن أمام رئيس الضرورة (عبد الفتاح السيسي).
تتفق أو تختلف مع الرئيس، لا يهم، ولكن الأهم استمرار الاستقرار والذي تحقق خلال السنوات الأربعة الأخيرة.
ومع انطلاق العملية العسكرية الشاملة “سيناء 2018” للقضاء على التنظيمات الإرهابية في وسط وشمال سيناء فقد ارتفعت أسهم “السيسي”، بعد الأهداف والخسائر الباهظة التي كبدتها القوات المسلحة للتنظيمات الإرهابية في منطقة سيناء.
وبعد أن وصف الخبراء العسكريون بأن العملية “سيناء 2018” هي الأكبر من حرب أكتوبر 1973، فقد أبرزت نتائجها أجهزة الإعلام العالمي والاهتمام بالبيانات اليومية التي تصدرها القيادة العامة للقوات المسلحة.
وأخيرا، فإن الواقع وتحدياته يفرض علينا أن نكون مع رئيس الضرورة.