يتوجه المصريون أيام 26 و27 و28 من الشهر الجاري لاختيار رئيسهم؛ لتبدأ ولاية رئاسية جديدة.
وإن كان واقع المشهد الانتخابي يعبر عن وجود منافسة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والمرشح موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد، فإن كل المؤشرات وواقع الحال يؤكد أن الرئيس السيسي هو الرئيس القادم لفترة رئاسة ثانية.
وفي المقال السابق كتبت عن هذا التأكيد موضحا الأسباب ولخصتها في عنوان المقال بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو رئيس الضرورة.
نعم، رئيس الضرورة، سواء اتفقت أو اختلفت مع الرئيس ونظامه فعند الاختيار توجد فلسفة أخرى ومعايير مغايرة، وعلى غرار ما يعرف في أمور الدين بـ”فقه الواقع” والذي تستمد منه الفتاوى والأحكام الشرعية الموافقة لهذا النوع من الفقه الذي يراعي تغير الزمان والمكان، فهناك أيضا “سياسة الواقع” أو “الواقع السياسي” الذي يفرض تحدياته وأحكامه على الجميع (المعارض قبل المؤيد).. وفي ظروف كالتي تمر بها مصر، منذ أحداث 25 يناير 2011، والأحداث الأشد عنفا وإرهابا بعد ثورة 30 يونيو 2013، ليس أمامنا إلا أن نكون مع حاكم قوي ونظام أقوى، والقوة التي أقصدها هنا هي القوة التي تحمي الدولة وشعبها وبشكل خاص من المخاطر الخارجية، ولن تكون قوة الحكم، على الأقل في الوقت الراهن، إلا من خلال مسؤول يولد من مؤسسة نظامية تتمتع بخبرات العمل السياسي والأمني والاقتصادي معا، والمؤسسة العسكرية في مصر تتمتع بكل هذه الميزات.
وعلى الذين يرددون مصطلح الحكم المدني، فعليهم أولا أن يمارسوا مدنيتهم في مؤسساتهم ويرسخوا مبادئها، كما عليهم أن يخالطوا الناس في حياتهم ويشتركوا مع مؤسسات الدولة في البناء والتنمية.
نحن إلى الآن لم نرى حزبا سياسيا واحدا قدم مشروعا للحكم المدني أو تصور لدولة مدنية محدد الرؤى والأهداف، إلا بعض المصطلحات الرنانة في حوارات تليفزيونة متآكلة سابقا، كلها بغرض الاستعراض الزائف والشهرة الزائلة.
وعودة إلى مشهد الانتخابات الرئاسية في مصر، فإن “سياسة الواقع” ستفرض على الناخب اختيار الرئيس السيسي، خاصة بعد أن يطلع ويتدبر حجم وكمية المشروعات التي أنجزها في أقل من أربع سنوات، فهي وإن استنزفت أموالا ضخمة من خزانة الدولة واضطررنا معها إلى زيادة الدين الداخلي والخارجي، إلا أنها مشروعات عملاقة لا أحد يستطيع أن ينكر جدواها، سواء على المدى القريب أو البعيد، فقد أخذها “السيسي” من طريق الزمن، ففي الغد وبعده ستكون التكلفة أضعافا مضاعفة، والرجل يبني لأجيال قادمة لا لجيل اليوم فقط. وإذا كان منا من لم رأى حجم الإنجازات ومدى أهميتها وفيما يكون توظيفها، فهنا ألقي باللوم كل اللوم على الإعلام، وخاصة الإعلام الرسمي للدولة، ومن بعده الإعلام الخاص، في أنه لم يأخذ على عاتقه أن يكون لديه فلسفة الإعداد في شرح تفصيلي عميق عن كل مشروع من المشروعات التي تم إنجازها سواء في مجال الطاقة والكهرباء أو الطرق والإسكان والاكتشافات البترولية والغاز والبنية التحتية وتخصيص معاش “تكافل وكرامة” لفئات ظلت مهمشة لسنوات طويلة.. إلى آخره.
ولكن للأسف الشديد نرى إعلاما يخصص فقرات كاملة يتناول فيها أتفه الموضوعات، كالذي راح يتحدث في فقرة كاملة ببرنامجه عن أستاذة جامعية حدثته عن أن زوجها يطلب منها أن ترقص له في بيتهم وأن وضعها ومكانتها العلمية والوظيفية لا تسمح لها بذلك غير أنها ليست سلعة تفعل ما يطلب منها في أي لحظة.. كذلك هؤلاء الذين يتناولون الحديث بإفراط عن العلاقات الجنسية، تحت عنوان “الثقافة الجنسية”، من باب أنها مادة جاذبة للمشاهدة، متناسين إحراج الأسرة حين تتجمع لمشاهدة برامجهم!!
إن مثل هذا “الإعلام الأبله” لن يجذب المتلقين لمعرفة ماذا تفعل الدولة وأجهزتها وماذا تقدم وما الأعباء الملقاة على عاتقها؛ لأنه ببساطة إعلام لا يعي ما يقدمه فكيف يعي ما تقدمه الدولة؟!!
إننا بحاجة لإعادة النظر في التناول الإعلامي ومعالجة الموضوعات التي يقدمها الإعلام بمختلف أنواعه للمتلقي، وخاصة في الأمور الاقتصادية التي تهم الناس وتستحوذ على النصيب الأكبر من اهتماماته.
وهنا يلزم أن يكثف الإعلام دوره ليبحث عن متخصصين قادرين على شرح الأبعاد الاقتصادية والاجتماعة الناشئة عن سياسات الدولة بشكل تفصيلي، وما الأعباء التي يجب أن يتحملها المواطن مع الدولة في الظروف القاهرة والاستثنائية.. فقط الناس تريد أن تفهم، والإعلام (للأسف لا يأتي بمن يُفهِم الناس).
في نهاية الأمر، حتى وإن كان بيننا من يختلف أو يرفض، فلا شك أننا أمام واقع يفرض سياسته على الجميع وليس أمامنا إلا التعاطي مع آليات هذا الواقع.